منحته جامعة يوتا لقب أستاذ متميز وأطلقت اسمه على أشهر مكتباتها
تصوير ودراسة مخطوطات دير سانت كاترين من أهم إسهاماته في الحفاظ على التراث القبطي
امتد عطاؤه ليس في مصر فحسب، بل في مختلف دول العالم ، من خلاله عرف الغرب مصر وتاريخها ، إليه يرجع الفضل في تأسيس أول دائرة معارف قبطية في العالم ،إنه الدكتور عزيز سوريال عطية أشهر مؤرخي العصور الوسطى الذي قضى سنوات عمره في دراسة كل ما يتعلق بتاريخ العصور الوسطى ، تهافتت عليه كبرى جامعات العالم ليحاضر فيها ، دعته جامعة يوتا لتأسيس مركز دراسات الشرق الأوسط ومنحته لقب أستاذ متميز ، شارك الدكتور طه حسين في تأسيس جامعة الإسكندرية ، وظل عطاؤه لينقطع حتى فارقنا عام 1988 …
ولد عزيز سوريال عطية في 5 يوليو عام 1898 في قرية العايشة مركز زفتى محافظة الغربية ، كان والده يعمل بتجارة الأقطان ، التحق منذ الصغر بكتاب القرية وقضى سنوات من طفولته يتلقى فيه مبادئ الحساب والقراءة والكتابة ، في عام 1905 وكان عمره سبع سنوات انتقلت الأسرة إلى الزقازيق حيث التحق بالتعليم الابتدائي هناك، ثم انتقلت الأسرة إلى القاهرة والتحق بالمدرسة التوفيقية الثانوية بشبرا ليحصل على درجة البكالوريا (شهادة إتمام الدراسة الثانوية) عام 1914 ..
التحاقه بالطب ثم رفضه منها
كانت أسرته تأمل أن يكون أول أبنائها طبيبًا مرموقًا ، لذا التحق سوريال بمدرسة الطب ، وفي ذلك الأثناء كانت الحركة الوطنية بقيادة سعد زغلول تجذب إليها أنظار الجميع بما فيهم عزيز سوريال ، لذا نجده يشارك بحماس في أحداث ثورة 1919 وكان في الفرقة الرابعة بكلية الطب ، واصطدم هو ومجموعة معه من الطلاب بجنود الاحتلال بالطوب والحجارة الأمر الذي أدى إلى اعتقاله أكثر من مرة ، ليس هذا فحسب بل أصدرت سلطات الاحتلال قرارا بفصله من كلية الطب فصلًا نهائيًا وهو على أعتاب التخرج ، ويضيع حلم الأسرة التي داهمتها في الوقت نفسه كارثه إفلاس عائلها في تجارة القطن وأصبحت يهددها الفقر…
التحاقه بمدرسة المعلمين
ولكن بعزيمة مصرية نجد عزيز سوريال يرسم طريقه مرة أخرى ، فبعد خروجه من المعتقل عمل في النهار موظفا بمصلحة الطب البيطري بوزارة الزراعة ، وفي نفس الوقت يحصل على البكالوريا مرة أخرى من القسم الأدبي وكان من أوائل هذا القسم ليلتحق بعد ذلك بمدرسة المعلمين العليا بالقسم المسائي حتى لا يفقد وظيفته الصغيرة بالنهار و نظرًا لنبوغه الشديد حصل على شهادة المعلمين العليا بتفوق لم يسبق له مثيل، لذا تم اختياره في بعثة الى ليفربول بإنجلترا..
ليفربول بدايته العلمية
في 1925 سافر عزيز سوريال إلى بعثته إلى ليفربول ، وكانت رغبته الأساسية التخصص في التاريخ الحديث ، إلا أن أستاذ التاريخ القديم والعصور الوسطى “كوبلاند” دعاه إلى محاضرة له عن “العصور الوسطى” خرج منها عزيز يقول : “هذا هو اتجاهي الذي أجد نفسي فيه” ومن هنا تخصص عزيز سوريال في “العصور الوسطى” ، حصل على الماجستير من جامعة ليفربول وكانت الدراسة تقتضي أن يسافر الى منطقة البلقان ويطلع على المراجع ويعاين المواقع بعينه وحصل على الدكتوراه من جامعة ليفربول أيضًا عن الحروب الصليبية في أواخر العصور الوسطى ، ثم حصل على دكتوراه أخرى في الفلسفة من جامعة لندن ..
ذاع صيته في أوساط الجامعات الغربية حتى دعته العديد من الجامعات كمحاضر فيها ، كان يحاضر في أكثر من جامعة أوروبية وأمريكية، فضلًا عن الجامعات المصرية …
وفي النصف الثاني من الثلاثينات عاد عزيز سوريال إلى مصر ، ولم يوفق في أن يعمل بكلية الآداب جامعة القاهرة واختير للعمل بتفتيش التاريخ بوزارة المعارف العمومية لمدة عامين ، وفي سنة 1938 دعته جامعة (بون) ليعمل مع عميد المستشرقين الألمان “كالي” وأثناء الحرب العالمية الثانية عاد إلى مصر مرة أخرى في أوائل الأربعينات على غير رغبة الجامعة و اختير أستاذا بكلية الآداب جامعة القاهرة بفضل جهود الدكتور “طه حسين” وشارك في التدريس بفرع الجامعة بالإسكندرية إلى أن تأسست جامعة الإسكندرية وكان قد شارك الدكتور طه حسين في مشروعات تأسيس كلية الآداب فتفرغ للعمل فيها حتى أصبح وكيلا للكلية عام 1949 ، واشتهر بمحاضراته في الجمعية الجغرافية والجمعية التاريخية وجمعية الآثار القبطية.
إعادة تسجيل كتب التراث
قام الدكتور عزيز سوريال عطية بالعديد من الأعمال والمشاريع الهامة في مجال تحقيق التراث منها :
قام عزيز سوريال بتحقيق كتاب “قوانين الدواوين” للأسعد بن مماتي أحد مؤرخي العصر الأيوبي وأنفق على طباعته الأمير عمر طوسون الذي كان مهتما بالدراسات التاريخية ، ولقد صدر الكتاب في عام 1943 عن الجمعية الزراعية الملكية.
بتكليف من جامعة حيدر آباد في الهند وهي جامعة معروفة بنشاطها العلمي قام عزيز سوريال بتحقيق مخطوطة من سبعة مجلدات للعالم المؤرخ النويري السكندري وهذا العمل الشهير بعنوان “الإلمام بالأعلام فيما جرت به الأمور المقضية في واقعة الإسكندرية” ، واقعة الإسكندرية تدور حول قيام ملك قبرص سنة 1365 بالإغارة على الإسكندرية وتدميرها فسجل النويري السكندري هذه الواقعة التى احتلت القسم الرئيسي في هذا الكتاب الإسلامي الموسوعي الذي يحتوي على التعريفات بموضوعات إسلامية كثيرة ونشرته دائرة المعارف العثمانية بحيدر أباد خلال الفترة ما بين 1968 وعام 1976 ..
دراسة مخطوطات دير سانت كاترين
ونأتي إلى مشروع هام له أثره فى حياة الدكتور عزيز سوريال نفسه ، ففي عام 1950 اختارته جامعة الإسكندرية لمرافقة البعثة الأمريكية المكلفة من مكتبة الكونجرس من أجل دراسة وتصوير تاريخ مخطوطات دير سانت كاترين بسيناء ، وقامت دار نشر جون هوبكنز بنشر نتائج هذه الدراسة في كتاب بعنوان “المخطوطات العربية في دير سانت كاترين بسيناء”، وقبل أن ينفذ سوريال هذا المشروع اشترط على مكتبة الكونجرس أن تهدي جامعة الإسكندرية نسخة من الصور وأن تودع بالدير صورة أخرى وأن تتعهد بأن تضع صور المخطوطات تحت طلب الباحثين من جميع أنحاء العالم ووافقت مكتبة الكونجرس على هذه الشروط وامتد العمل تحت إشراف دكتور عزيز سوريال لسنوات إلى أن كانت سنة 1952
وهنا نتوقف عند واقعة .. في اجتماع لمجلس كلية الآداب بالإسكندرية آثار أحد أعضاء المجلس موضوع تصوير مخطوطات دير سانت كاترين وأن الدكتور عزيز سوريال استأثر بهذا العمل الخطير وكان يجب أن يقدم إلى مجلس تأديب بدلا من تسجيل الشكر له ، ولم يرض عميد الكلية عن هذا العضو إلا أن الدكتور عزيز سوريال ترك الاجتماع وتوجه على الفور إلى وزير المعارف وقدم استقالته من كلية آداب الإسكندرية وكان عمره 54 عامًا…
تهافت عليه كبرى جامعات العالم
واتجهت أنظار جامعات الولايات المتحدة إلى عزيز سوريال فدعته جامعة ميتشجان كأستاذ زائر وقضى سنة هناك وداعته جامعة كولومبيا في نيويورك أستاذ زائر لمدة سنه ايضا ثم جاءته دعوة من معهد ( برينستون) للدراسات العليا وهو معهد أنشأته الولايات المتحدة الأمريكية لعلماء أوروبا يتفرغون فيه للبحث العلمي دون أي التزامات بالتدريس ويضع المعهد كل الامكانات العلمية والمادية والوحيد من خارج أوروبا الذي منح هذه الفرصة هو الدكتور عزيز سوريال وبقى هناك سنتين إلى جانب علماء عظماء أمثال “ألبرت أينشتاين” من ألمانيا لدراسات الفيزياء ، و “فون نويمان” من المجر لدراسات الكمبيوتر وغيرهم ..
وكان الدكتور عزيز سوريال يلبي دعوات جامعات أوروبا لإلقاء المحاضرات ، ثم جاءته الدعوة ليحاضر في معهد الدراسات الإسلامية بمدريد فلبى الدعوة وكان الإقبال شديدًا للاستماع إليه ، وأثناء العدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر عام 1956 سافر الولايات المتحدة وفدا من مصر لشرح طبيعة العدوان وسلامة موقف مصر للمسؤولين والرأي العام في أمريكا ووضع الدكتور سوريال نفسه و اتصالاته وعلاقاته تحت تصرف هذا الوفد واحتفى بهم وقدمهم إلى المؤرخ المشهور “فيليب حتى” ..
مشاركته في إنشاء مركز دراسات الشرق الأوسط
دعاه مدير جامعة يوتا بالولايات المتحدة الأمريكية إلى إنشاء مركز لدراسات الشرق الأوسط وسافر سوريال إلى يوتا عام 1958 و أنشأ مكتبة للمركز تضارع مكتبة شيكاغو ووضع الخطوط الأساسية للمركز ليعني بالدراسات التاريخية والإسلامية والعربية ودراسة اللغتين العربية والفارسية وسائر لغات المنطقة ونظرًا لمجهوداته تم إطلاق اسمه على مكتبة المركز..
منحه لقب أستاذ متميز
لم يكن عطية مجرد أستاذ ولكنه كان أستاذًا مصريًا عرف من خلاله الأمريكيين مصر ، ادخل تعليم اللغة العربية في التعليم العام بولاية يوتا ومنحته جامعة يوتا لقب أستاذ متميز وهذا يعني أن له الحق في أن يستمر في العمل إلى أن يرغب هو في التقاعد ..
تأسيس دائرة المعارف القبطية
ظل الدكتور عزيز سوريال سنوات عديدة يتردد على مصر وعلى جامعات أخرى في أوروبا وأمريكا ، وكان حلم إنشاء موسوعة قبطية يراوده كثيرا ، وبداية من عام 1977 فكر فى العمل بمشروع عن تاريخ مصر بعصوره المختلفة العصر الفرعونى والقبطي ،والإسلامي ، والحديث كل ذلك في دائرة أطلق عليها اسم( دائرة المعارف القبطية) وشكل لها هيئة تحرير تحت إشرافه تضم مجموعة من علماء أوروبا وأمريكا ومصر وتم توزيع العمل عليهم كل في مجال تخصصه ..
وفي عام 1986 وقع الدكتور عزيز سوريال العقد النهائي لطبع موسوعة دائرة المعارف القبطية مع دار نشر ماكميلان وصدرت الموسوعة عام 1990 في ثمانية مجلدات باللغة الإنجليزية ..وتعتبر هذه الموسوعة مرجع بالغ الأهمية للباحثين المصريين والغربيين في التاريخ القبطي.
تأسيس معهد الدراسات القبطية
لفت الدكتور عزيز سوريال الأنظار إلى ضرورة إنشاء معهد لدراسة التراث القبطي، وذلك في إحدى جلسات المجلس الملى الذي كان عضوا فيه ، وبالفعل تمت الاستجابة و شارك الدكتور عزيز سوريال عطية في تأسيس المعهد العالى للدراسات القبطية عام 1954 مع كل من المعلم راغب مفتاح رائد الموسيقى القبطية والدكتور مراد كامل رائد الدراسات القبطية .
مؤلفاته
للدكتور عزيز سوريال العديد من المؤلفات نذكر منها كتاب “تاريخ المسيحية الشرقية” وصدرت له ترجمتين باللغة العربية ، كتاب “الحروب الصليبية وتأثيرها على العلاقات بين الشرق والغرب” ، كتاب “المخطوطات العربية في دير سانت كاترين بسيناء” وغيرها من المؤلفات.