لدي قناعة راسخة مازلت أذكرها وأكررها في كل مجلس, أن مصر محفوظة ومباركة من الرب القدير, والدلائل علي ذلك لا تنضب في تاريخنا وفي حياتنا المعاشة, شاهدة علي نبوءة إشعياء النبي مبارك شعبي مصر (19:25) ومطمئنة للمصريين أن مصر وشعبها في بؤرة العناية الإلهية.
بانقضاء يونيو الماضي, احتفلت مصر بالذكري العاشرة لثورة 30 يونيو 2013 التي ينظر إليها كثير من المصريين علي أنها خلصتهم من حكم الإخوان المسلمين, بينما أنظر إليها أنا علي أنها معجزة بجميع المقاييس عكست إرادة الله في أن يفطم مصر وشعبها من بدعة الإخوان… فبعد مرور سنة علي انقضاض الإخوان علي حكم مصر واعتقاد كثير من إخوتنا المسلمين أنهم أتوا كمصلحين لما عانت منه مصر من فساد وإخفاقات, لم أكن أتصور أن ينزلق الإخوان في سلسلة من الممارسات المجنونة مثل إعلانهم أنهم جاءوا إلي السلطة ولن يتركوها ولا بعد خمسمائة سنة… ثم إعلانهم أن من لا ينتمي إلي جماعتهم لا نصيب له في حكم البلاد… ثم ضلوعهم في أخونة جميع مفاصل الدولة واغتصاب هويتها الوطنية والثقافية والحضارية بشكل أرعب المصريين, فلم يكن ذلك مقصورا علي غير المسلمين من الأقباط, لكنه انسحب علي سائر إخوتنا المصريين المسلمين الذين اكتشفوا أنهم ما لم يكونوا ضمن تنظيمات الإخوان فليس لهم نصيب من السلطة ولا من أي أمل في التطوير والإصلاح المرتقب… لهذا رأيت إرادة الله في أن يسمح بتمكين الإخوان من الحكم لمدة عام واحد حتي يري المصريون البسطاء حقيقة ما يضمرونه لمصر ويشفوا تماما من بدعة الإخوان, وهكذا يفطمهم مثلما تفطم الأم رضيعها.
وقبل أن أسترسل في استعراض مصر ما بعد 30 يونيو دعوني أسجل واحدة من أعتي تجليات نبوءة إشعياء النبي مبارك شعبي مصر التي نعيشها في حاضرنا ولا ينبغي أن تغيب عنا… إنها ما يجري في منطقتنا من الشرق الأوسط منذ ما يزيد علي ثلاثة عقود من مؤامرات تحاك لتفتيت وتدمير الدول القوية ذات الأصول الحضارية فيه مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن وآخرها السودان… اعتمادا علي إثارة النزعات العرقية والطائفية وتشجيع خلق الميليشيات المسلحة والصراعات والتناحر.. ولا يتصور أحد أن مصرنا كانت بمنأي عن تلك المؤامرات, بل إنها كانت وتظل في صدارتها بغية تفتيتها وتدميرها, إلا أنه بشكل معجزي كانت يد الله حارسة حامية لمصر من السقوط والتفتت, حارسة حامية لوحدة شعبها, حارسة حامية لسيادة جيشها, حتي أكاد أقول إنه جن جنون محيكي المؤامرات لفشلهم في تنفيذ مخططاتهم الشيطانية علي مصر.. ولا أملك إلا أن أكرر بكل إيمان ويقين أن ذلك أعظم تجل لقول الرب: مبارك شعبي مصر.
والآن أفتح سجلا مشرفا بجميع المقاييس للذكري العاشرة لثورة 30 يونيو وهو ما تنشره وطني ضمن صفحات هذا العدد لتوثيق ما تحقق في مصر منذ سنوات عشر, حتي يظل محفورا في الذاكرة الوطنية المصرية, انتفاضة المصريين ونزولهم إلي الشارع عام 2013 وما تراكم بعد ذلك عبر عشر سنوات من إنجازات وإصلاحات وتطوير مخلص لا يزال مستمرا.
** بفضل جهود الرئاسة المصرية والدبلوماسية المصرية, استعادت مصر بجدارة مكانتها الدولية وثقلها الإقليمي في محيطها العربي والأفريقي والدولي… وفي هذا الإطار لا يمكن إغفال الحكمة والحنكة التي اتصفت بهما الإدارة السياسية المصرية في تنمية وترسيخ العلاقات الدولية مع القوي الكبري المتباينة المواقف مثل الولايات المتحدة الأمريكية والمجموعة الأوروبية وروسيا والصين, بشكل حافظ علي العلاقات الإستراتيجية ورسخ دور مصر كدولة شريكة في ضمان السلام والاستقرار في منطقتنا.
** شهدت السنوات العشر الماضية تناميا متواصلا لروابط مصر بقارتها الأفريقية, لم يكن مقصورا علي رئاستها للاتحاد الأفريقي عام 2019 لكنه امتد إلي تبنيها عددا من المبادرات السياسية والاقتصادية والثقافية والحضارية في القارة الأفريقية, علاوة علي إنشاء مركز الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية بعد النزاعات, وإطلاق منتدي أسوان للسلام والتنمية المستدامين.
** لا ينفصل ذلك عن الجهود المستمرة لمصر علي نطاق العمل الأفريقي في إطار العمل علي إحلال الهدوء ووأد الصراع المسلح في السودان, بالإضافة إلي دفع الحل بالطرق السلمية مع إثيوبيا في مشكلة سد النهضة.
** يظل إطلاق فعاليات الحوار الوطني, واحدة من أهم نتائج ثورة 30 يونيو, بما تتضمنه من حوار شامل يناقش مختلف قضايا الوطن بحرية وبمشاركة واسعة من جميع فئات المصريين علي اختلاف انتماءاتهم مع استبعاد من مارس العنف أو حرض ضد مصر وشعبها.
** إطلاق أكبر مشروع للحماية الاجتماعية مقرون بدعم وتمويل السلع والخدمات لتصل إلي الأسر الأولي بالرعاية, التي تم حصرها وتسجيلها من خلال برنامج تكافل وكرامة وبرنامج حياة كريمة.
** تمكين الشباب في العمل السياسي مع إطلاق برامج تستهدف العمل علي تدريبهم وتأهيلهم لتولي مسئولية المشاركة في القيادة في المؤسسات المختلفة… وتجلي ذلك عبر إطلاق عام الشباب ومؤتمرات الشباب ومنتدي شباب العالم والبرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة والأكاديمية الوطنية للتدريب.
** رد اعتبار المرأة المصرية كشريك أساسي في المجتمع علي الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية… وامتداد ذلك بشكل غير مسبوق إلي قرارات توليها مناصب قضائية في مجلس الدولة والنيابة العامة… هذا بالإضافة إلي صدور تشريعات حماية حقوق المرأة مثل قانون المواريث وتخصيص 25% من مناصب تشكيل الحكومة للسيدات ووصول مشاركة المرأة في البرلمان إلي نسبة 15% من المقاعد, وتعيين السفيرة فايزة أبو النجا أول مستشارة للأمن القومي لرئيس الجمهورية.
** إعادة الاعتبار للأقباط كشركاء في الوطن وترسيخ معيار المواطنة في الدستور للمساواة المطلقة بين المصريين مع إطلاق نظام المحاصصة الإيجابية والمنافسة الحرة لهم في المشاركة في الانتخابات البرلمانية, الأمر الذي نتج عنه احتلالهم 53 مقعدا نيابيا في آخر انتخابات برلمانية بشكل غير مسبوق… هذا بالإضافة إلي صدور أول قانون ينظم بناء وترميم وترخيص الكنائس في مصر لإنهاء أزمنة طويلة للشح والغبن في هذا المجال.
** الاهتمام بالمحافظات الحدودية علي خريطة مصر, وخاصة سيناء, عن طريق خطة صارمة لمكافحة تغلغل الإرهاب فيها, ثم بعد تطهيرها من عناصر الإرهاب المضي في إنجاز خطط طموحة لتنميتها عمرانيا واقتصاديا واجتماعيا.
*** لا يسعني بعد كل ذلك إلا أن أكرر يقينا وفخرا أن ثورة 30 يونيو هي أحد تجليات نبوءة إشعياء النبي مبارك شعبي مصر.