أريد في هذا المقال أن أختتم سلسلة المرأة التي استمرت ثلاثين حلقة, وإذ أردت أن أنتهي من هذه السلسلة التي تتحدث عن أم الحياة ومنبع الحب وأصل الكون وهي المرأة فإنني أعتقد أن الموضوع لن ينتهي فإن قضية المرأة لابد أن تشغل المجتمع والمجتمعات العالمية دائما حتي تستعيد المرأة مكانتها اللائقة في المجتمع وتلقي الحب والاحترام الضروري فهي شمعة تحترق من أجل الجميع. لقد شعرت بأهمية المرأة في حياتي منذ صباي فهي أمي وأختي وخالتي وزوجتي وابنتي وحفيدتي, وقد كان لوجودهن في حياتي أثر كبير وعظيم, لن أنسي أهمية وجود زوجتي الكاتبة الصحفية مني الملاخ وفضلها علي وسهرها الليالي من أجلي. إنها المرأة التي لا يعرف البعض أهميتها وطبيعتها وكيف أنها تعمل وتشقي من أجل زوجها وأبنائها, وتضحي بالغالي والرخيص وبراحتها من أجل الجميع. فطبيعتها تفرض عليها التضحية والعمل والتعب ولا تنتظر إلا كلمة شكر وتقدير.
وقد عرضت في هذه السلسلة حياة المرأة وأهميتها ومكانتها في المجتمع, وأشرت إلي أنها لم تعرف المساواة والراحة والاحترام الكامل إلا في مصر القديمة منذ آلاف السنوات حيث احترمها وقدرها جدنا الكبير وأعطاها فرصة التعلم والعمل والخروج من البيت واستطاعت أن تتبوأ مكانة مرموقة فعملت رئيسة طبيبات وكاتبة وخبازة ونائحة وسيدة بيت وفلاحة تشارك زوجها في فلاحة الأرض, وكانت ملكة ثم إلهة وأحبها جدنا المصري القديم فأطلق عليها ألقابا كثيرة فهي ست البيت وست الكل, وحبيبة زوجها, وصاحبة البيت التي تسعد زوجها والمشرقة دائما, ومن تنشر الفرحة في بيتها وغير ذلك, وكانت المرأة في الدول الأخري في اليونان وفارس تغيران من وضعها الجميل المحترم. وتتوالي السنوات ومرت الأيام وإذ بالرجل يشعر جهلا منه أنه أفضل وأقوي ويضحك عليها ويشرح لها ظلما أنها خلقت للبيت لكي تعيش فيه وتلد أبناء وتصبح ملكة البيت ولا تخرج منه وبالتالي لا تتعلم ولا تكتسب خبرات اجتماعية جديدة كما يفعل هو, وكان أثر ذلك أن بعض النساء اقتنعن بذلك وبعضهن تقبلن الوضع رغما عنهن وعن إرادتهن لكي يعشن في سلام. وتخلف المجتمع وأصبح أعرج يمشي بقدم واحدة أي يعيش علي عمل الرجل فقط, وحرم من عمل المرأة وفكرها وجهدها بل وعبقريتها أحيانا.
ودوام الحال من المحال. وشعرت المرأة بالمهانة والضعف من وضعها المؤسف ومن سجنها في البيت وعدم تعليمها, بل وشعر بعض الرجال المستنيرين من ظلم الرجل للمرأة, وثارت المرأة وثار الرجل أيضا من أجلها, حدث هذا في مصر والعالم, فرأينا رجالا بل شيوخا يدافعون عن حقها في العمل والتعليم والمشاركة الاجتماعية من أمثال هؤلاء الشيخ رفاعة الطهطاوي والشيخ محمد عبده, وقاسم أمين, وسلامة موسي وغيرهم. ومن أمثال الثائرات الفضليات نبوية موسي, منيرة ثابت, الدكتورة درية شرف الدين, مي زيادة, كريمة السعيد, دكتورة نوال السعداوي وهدي شعراوي, وعالميا لا نستطيع إنكار دور المفكرين هنريك أبسن ورائعته (بيت الدمية) وجون استيوارت مل وكتابه المهم (استعباد المرأة), ثم أسطورة الأدب الوجودي (سيمون دي بفوار) وكتابها المرجع (لسنا جنسا آخر) كل هؤلاء وغيرهم دافعوا دفاعا كبيرا مجيدا عن المرأة وحريتها ومساواتها بالرجل وضرورة دفع الظلم عنها, واستطاعت المرأة فعلا أن تحقق مكاسب كبيرة تاريخية ووصلت إلي مناصب قيادية في كل المجتمعات مثل أستاذة في الجامعة ووزيرة ورئيسة مجلس وزراء, بل ورئيسة جمهورية, وعلي الرغم من ذلك هناك نساء في كل أرجاء العالم تعاني من الظلم والاضطهاد والضرب والإهانة بل والقتل علي يد الرجال الجهلة والظلمة.
من المهم أن نقول إن هناك رجالا مستنيرين يتعاملون مع المرأة بحب وحنان لكنهم قليلون للأسف. في نفس الوقت وجود نساء غير أسوياء يتعاملن مع رجالهن معملة قاسية غير لائقة وهن لسن اللاتي نتحدث عنهن.
وقبل أن أنهي هذه السلسلة أرجو أن أكون قد استطعت أن ألقي الضوء علي المشكلة وأوضح أبعادها وهي مشكلة غاية الأهمية, وهل هناك أهم وأفضل من المرأة في حياتنا؟ فنحن عندما نتحدث عن الإنسان فإننا نتحدث عن الرجل والمرأة وهما متساويان تماما كما خلقهما الله. عزيزي, نستطيع أن نعرف المزيد في هذا الموضوع وكيف أن المرأة علميا متساوية تماما مع الرجل كما أثبتت الأبحاث العلمية المعملية بالرجوع إلي كتابي (المرأة أيقونة الإنسانية) الذي أصدرته وزارة الثقافة عن طريق هيئة قصور الثقافة العام الماضي, وتناول قضية إنسانية للغاية هي قضية المرأة وهي مهمة لأننا في اختبار نكون أو لا نكون؟ لأن المجتمع الذي يحترم المرأة هو أفضل مجتمع يقوم علي الاحترام والمساواة, ويعطي كل فرد فيه, الرجل والمرأة جهده من أجل تقدمه وازدهاره. يقول العظيم شكسبير.. المرأة هي نور الرجل وبغيرها تصبح حياته ظلاما…