تصدر الصفحة الأولي من عدد وطني الصادر الأسبوع الماضي خبر بعنوان ورقة عزيزة تسقط من شجرة وطني.. وداعا محفوظ دوس الأرخن القبطي في أمريكا, خبر كتبته في عجالة قبل مثول الصحيفة للطبع حيث ودعت مع أسرة وطني صديقا عزيزا لنا جميعا وزميلا صحفيا ترك إسهاما طويلا علي صفحاتها في مجال متابعة وتحليل وتوثيق السينما العالمية وتغطية سائر مهرجاناتها عبر قارات العالم وجوائزها الممنوحة لكافة الأعمال السينمائية المتميزة ومختلف مراتب العاملين فيها… وعلي رأسها جميعا قمة جوائز صناعة السينما الأوسكار وتوأمه جولدن جلوب.
لكن ما كتبته الأسبوع الماضي يقف قاصرا عن إيفاء محفوظ دوس قيمته وحقه, فالسينما العالمية مجرد جانب واحد من توثيق حياة حافلة ثرية امتدت عبر 98 سنة هي عمره (1925-2023) وتزخر بالإنجازات بدءا بالجذور المنتمية إلي أسرة مصرية عريقة وتمتد عبر مراحل العمر تحمل فيضا مشرفا لشخصية ثابرت وكافحت ونجحت وتألقت وتركت بصمة عظيمة في كل مجال طرقته.
وقبل أن أخوض فيما يحمله عنوان هذا المقال, دعوني أسجل بكل امتنان أن علاقة المحبة والاحترام والصداقة التي جمعتني بمحفوظ دوس تعود إلي عام 1995 عقب رحيل والدي أنطون سيدهم عن عالمنا (مايو 1995) ومبادرة محفوظ دوس بالاتصال بي لتقديم مشاعر العزاء ولتأكيد اعتزازه بدوره الأصيل كمراسل وطني في هوليوود عاصمة صناعة السينما العالمية… لكن الحقيقة أن ما ثمنته وقتها علي أنه ترسيخ لعلاقة مهنية تحول بسلاسة وسرعة -رغم فارق العمر بيننا الذي يصل إلي 25 عاما- إلي صداقة حميمة جمعت بيني وزوجتي أميرة وبينه وزوجته جولييت… صداقة دافئة ربطت بيننا وجمعتنا عبر السنين سواء في مصر أو في أمريكا… وإذ أسجل ذلك أصل إلي مربط الفرس, ففي يوم من الأيام خلال زيارتنا لمحفوظ وجولييت في منزلهما في لوس أنجلوس جاءني محفوظ يحمل في يده بضع وريقات مطبوعة وقال لي: أريد أن أترك لك تسجيلا لمراحل حياتي فقد تحتاجه إذا جاء يوم وأردت تأبيني… وبقدر تأثري بمبادرته تلك ها هي السنين تمر وأجدني أعود لهذه الأوراق شاعرا بدين في عنقي يجب أن أوفيه وأرد الأمانة لصاحبها.. وها أنا أقدم لكم سيرة حياة محفوظ دوس كما خطها قلمه:
** ولد في بورسعيد بمصر في 18 أغسطس 1925, والده طبيب أمراض النساء والتوليد الدكتور تادرس دوس ووالدته ماري كريمة جرجس باشا أنطون وأمه الروحية السيدة لويز قرينة واصف باشا غالي.
** حصل علي التعليم الأولي في مدرسة فرنسية بالقاهرة, ثم درس القانون بكلية الحقوق بجامعة القاهرة, ومن بعدها حصل علي إجازة الطب من جامعة مونبلييه بفرنسا, وتلاها بدراسة الصحافة… وفي عام 1946 إلتحق بجامعة تولوز بفرنسا لدراسة الهندسة الكيميائية حيث حصل علي درجة البكالوريوس ومن بعدها درجة الماجستير في الكيمياء التطبيقية والكيمياء العضوية… ويذكر له أنه أثناء دراسته في تولوز قام بتأسيس أول منظمة للطلبة المصريين هناك لتأصيل أواصر الصداقة بينهم وربطهم ببلدهم مصر وثقافتها وحضارتها.
** بدأ الكتابة عام 1952 في صحيفة الأهرام الاقتصادي الشهرية حول النهوض بالصناعة المصرية باستخدام الموارد الطبيعية المحلية.. ثم انتقل إلي الكتابة والمحاضرة في مجالات متعددة حول العالم عن العناصر الكيميائية المساهمة في تطوير صناعة البناء والإنشاء. وكان من ثمار ذلك أنه أسس واحدا من باكورة مصانع الكيماويات في ضاحية مسطرد بالقاهرة لإنتاج النافتالين والمواد المقاومة للحشرات والطوب الحراري وأدوات التجميل.
** هاجر إلي الولايات المتحدة في يناير 1959 حيث عمل في مجال أبحاث تطوير المواد الكيميائية الداخلة في صناعة البناء وحاز علي تقدير ملموس لإنجازاته الرائدة والتي أهلته عام 1977 لتأسيس مركزه الخاص للأبحاث التقنية لكيماويات البناء والذي عمل مستشارا للعديد من شركات الإنشاءات في الولايات المتحدة والدول الأوروبية ودول الشرق الأوسط. الأمر الذي أهله ليكون محاضرا مرموقا في أقسام هندسة الإنشاءات عبر جامعات العالم في اليابان وتايوان وهونج كونج وتايلاند وباكستان والهند والمملكة العربية السعودية والكويت ودول الإمارات, علاوة علي دول أوروبا مثل إنجلترا وفرنسا وألمانيا وأيسلندة.
** تزوج في 16 يناير 1971 من الفتاة الفلسطينية جولييت فاشح التي شاركته مشوار حياته منذ ذلك الحين وحتي رحيله, ولم ينجبا أطفالا.
** بدأت علاقته بالسينما العالمية عام 1959 كناقد سينمائي يكتب في الصحف المصرية واللبنانية والفرنسية وعلي رأسها صحيفة وطني التي كان مراسلها في هوليوود عاصمة صناعة السينما… وفي نفس العام انضم لعضوية جمعية المراسلين الأجانب في هوليوود وكان عضوا نشيطا بها مما أهله ليشغل منصب عضو مجلس إدارتها لدورات متتابعة, ثم منصب نائب رئيس مجلس إدارتها, ثم رئيس مجلس إدارتها… كما شغل منصب عضو مجلس أمناء الجمعية, وفي عام 2000 كان هو المتحدث باسم الجمعية لتقديم رسالتها إلي احتفال جوائز جولدن جلوب للسينما العالمية والذي قدر متابعوه حول العالم برقم 247 مليون نسمة.
** قام بمتابعة وتغطية مهرجانات السينما حول العالم, وكان في بعضها مدعوا ضمن كبار الشخصيات المحتفي بها… وامتد ذلك عبر دول أوروبا ففي فرنسا مهرجانات كان ودوفيل ولاروشيل وباريس, ومهرجان برشلونة بإسبانيا, ومهرجان ميونيخ وهايدلبرج بألمانيا, ومهرجان كارلوفيفاري بالتشيك, ومهرجانات فينيسيا وسيسيليا بإيطاليا, ومهرجان هلسنكي بفنلندة, ومهرجان لوكارنو بسويسرا, وفي آسيا مهرجانات موسكو وسوشي في روسيا, وإستانبول في تركيا, وهونج كونج وشانغاهاي في الصين, وبانكوك بتايلاند وسانغافورة, وفي أفريقيا مهرجان القاهرة في مصر, ومهرجان مراكش بالمغرب, وفي أمريكا اللاتينية مهرجان بيونس أيرس بالأرجنتين وريو دي جانيرو بالبرازيل وفيناديل ماربشيلي, ومهرجان سيدني بأستراليا, علاوة علي مهرجان هونولولو بجزر هاواي الأمريكية ومهرجان تورونتو بكندا.
** إسهاماته في العمل العام:
- انتخب عام 1952 عضوا في مجلس إدارة جمعية البر والإحسان القبطية بمصر الجديدة وظل يشغل ذلك المنصب حتي هجرته إلي الولايات المتحدة عام 1959.
- انتخب عام 1959 عضوا في مجلس إدارة الجمعية الخيرية القبطية الكبري التي ساهم في تأسيسها وشغل رئيس مجلس إدارتها لمدة أربعين سنة جده لأمه.
- عضو مجلس إدارة كل من كنيسة مارمرقس القبطية الأرثوذكسية في لوس أنجلوس, وكنيسة القديسين بطرس وبولس القبطية الأرثوذكسية في سانتا مونيكا بكاليفورنيا.
- نائب الرئيس وعضو مجلس الإدارة في المنظمة الوطنية للعرب الأمريكيين بلوس أنجلوس.
- رئيس النادي المصري الفرعوني الذي يهدف إلي ترسيخ وتقوية العلاقات بين المهاجرين المصريين في أمريكا وبين الشعب الأمريكي.
** هذا هو محفوظ دوس… وهذه هي مسيرة حياته الحافلة بالإنجازات والإسهامات عبر نحو قرن من الزمان… وإذا كنت قد تشرفت بأن أكون جزءا منها عبر علاقة محبة وصداقة وتواصل مهني امتد 28 عاما, أرجو أن أكون قد حملت الأمانة التي استودعها لدي حتي جاء وقت ردها لصاحبها.