عاشت الجماعة الصحفية الجمعة (17 مارس) عرسا ديمقراطيا بجميع المقاييس, حيث تم انتخاب المجلس الجديد لإدارة شئون النقابة والصحفيين خلال الدورة المقبلة, مكونا من النقيب وستة أعضاء, ترسيخا لآلية تدوير السلطة وتطوير السياسات لصالح الارتقاء بمهنة الصحافة وأسرة العاملين فيها.
جاء تشكيل المجلس الجديد كالآتي (وأكتفي بذكر الأسماء دون الألقاب كالمعهود في بلاط صاحبة الجلالة):
- خالد البلشي نقيبا
- هشام يونس
- عبدالرؤوف خليفة
- جمال عبدالرحيم
- محمد الجارحي أعضاء
- محمود كامل
- محمد يحيي
ومع خالص التهنئة للمجلس الجديد والتمنيات بالتوفيق في المهمة الجسيمة الملقاة علي عاتقه في رعاية مهنة الصحافة والنهوض بأسرتها لا يفوتني أن أسجل خالص التقدير والاحترام للمنافسة الراقية التي سادت أجواء مراحل السباق الانتخابي والتي عايشناها طوال الحملات الانتخابية حيث استقبلنا في وطني زيارات غالبية المرشحين في أجواء تسودها المصارحة ورؤي الارتقاء بالمهنة وأحوال العاملين فيها مع الابتعاد تماما عن تناول من سبقوهم في إدارة النقابة أو من يتنافسون معهم في الترشح للمجلس القادم بأي هجوم أو انتقاد.
ولعل ما يتحتم تسجيله في هذا الصدد وترسيخه عنوانا راقيا للممارسة الديمقراطية, مشهد المنافسة المحتدمة في انتخابات النقيب بين كل من خالد ميري وخالد البلشي (اللذين تشرفنا بزيارة كل منهما لأسرة وطني) والتي استعرت سخونتها حتي يوم الانتخاب واحتبست الأنفاس مترقبة ما تسفر عنه نتائج فرز الأصوات في صناديق الاقتراع… وأخيرا حين أعلنت النتيجة النهائية بتفوق خالد البلشي بعدد محدود من الأصوات وفوزه بمنصب النقيب, بادر خالد ميري بتهنئته بروح طيبة وموقف يحتذي متمنيا للجماعة الصحفية النجاح وتحقيق طموحاتها… وجاء رد فعل النقيب خالد البلشي لا يقل عنه لياقة ورقيا, حيث شكر خالد ميري ذاكرا أنهما خاضا منافسة انتخابية شريفة وعادلة وسوف يبقيان زميلين عزيزين تجمعهما نقابة واحدة.
إلي هنا انتهت وقائع العرس الديمقراطي الذي أشرت إليه في مستهل هذا المقال.. لكن تظل في داخلي أمور عالقة ومساحات شاغرة أبحث عنها في كل دورة من دورات انتخابات نقابة الصحفيين ولم أستطع إدراكها حتي الآن, وأتطلع إلي اليوم الذي تتحقق فيه حتي يكتمل العمل الانتخابي والتمثيل النقابي بأبعاد غير منقوصة.. وإليكم نماذج مما أنا مثقل به:
** لعل القاسم المشترك الغالب علي مناقشات المرشحين الذين التقينا بهم في وطني خلال الحملة الانتخابية الماضية- وماسبقتها من حملات- كان الحديث حول واقع الصحافة والتحديات التي تواجهها.. ليس في مجال الأداء المهني وحرية الرأي, فذلك مقياس نسبي يتأرجح بين صحيفة وأخري تبعا لتوجهاتها وسياساتها ومعاركها التي تخوضها, ولكن تتمثل تلك التحديات في كيفية مواجهة الأعباء غير المسبوقة المرتبطة باقتصاديات الصحافة في ظل استفحال التكاليف وتدني الإيرادات… وبالأخذ في الاعتبار أن اللوائح الحاكمة للمؤسسات الصحفية لا تسمح سوي بالموارد المحققة من خلال الإعلانات والتوزيع دون سواها… علما بأن تلك الموارد تشهد انحسارا ملحوظا نتيجة انكماش الإعلانات وتدني التوزيع في عالم ينتقل من الصحافة الورقية المطبوعة إلي الصحافة الإلكترونية وسائر وسائط التواصل الحديثة, بناء عليه تسيطر شكوك جمة حول قدرة الصحافة المطبوعة علي الاستمرار, وإذا كانت بعض مجالس الإدارات السابقة لنقابة الصحفيين قد أزاحت هذه القضية من علي عاتقها بمقولة نحن لسنا نقابة صحف بل نقابة صحفيين تظل القضية ملحة وملزمة ولا يمكن الهروب منها, لأن الأمر ببساطة يحمل تهديدا مخيفا مؤداه أن إفلاس الصحف من شأنه أن يدفع بصحفييها والعاملين فيها إلي البطالة… فها نحن أمام تحد مصيري يتمثل في كيفية التعامل مع ذلك الواقع بين كل من نقابة الصحفيين والمجلس الأعلي لتنظيم الإعلام بغية التوصل إلي منظومة من شأنها إقالة الصحف من عثرتها.
** طالما كنت مثقلا بتحقيق التناغم بين الزملاء الذين ينجحون في الوصول إلي عضوية مجلس نقابة الصحفيين, آملا في تعاونهم الوثيق نحو النهوض بالعمل الصحفي والعمل علي إدراك خدمات بعينها تؤثر إيجابا في حياة أسرة الصحافة… لكن لم يكن الواقع متناسبا مع هذا التوقع في كثير من الأحيان لأن ببساطة كانت هناك تباينات واختلافات بين خطط ووعود كل من أعضاء المجلس الذين ينتمون إلي كل حدب وصوب والذين وعدوا الناخبين بوعود شتي قد لا تتفق مع بعضها البعض, الأمر الذي ينشئ مساحات للاختلاف بل والصراعات داخل المجلس الواحد حول أولويات السياسات الواجب العمل علي تحقيقها… وكنت دائما أدعو إلي ضرورة تحويل حرية الترشح الفردي الذي تكفله القوانين النقابية إلي اصطفاف مجموعات تربطها برامج انتخابية واحدة تتقدم بها إلي الناخبين, حتي إذا نجحت أي مجموعة منها في تحقيق الفوز بمقاعد المجلس في الانتخابات يكون ذلك صك اعتماد لبرنامجها الانتخابي تلتزم به وتضطلع بتنفيذه.
** في سائر معايشتي للمنافسات الانتخابية بجميع المستويات سواء السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية أو النقابية, دائما أبحث عن عدالة وتوازن التمثيل… وهنا يبرز التحدي الوطني الأكبر, وهو تمثيل المرأة خاصة في مجتمع يجاهد للخروج من عصور تقهقر إلي عصر الحداثة… وطالما شعرت بالفخر والارتياح إزاء تشريعات تحدد نسبا مئوية مسبقة تشغلها المرأة المصرية في المجالس المنتخبة, وتساءلت: كيف تغيب نقابة الصحفيين المصرية عن إدراك ذلك؟.
إنها بدعوي تطبيق الحرية المطلقة للترشح والانتخاب تقف قاصرة عن تمكين الفتاة والمرأة المصرية من الوصول إلي مجالس إدارة نقابة الصحفيين… والأمر العجيب أننا نتحدث عن مهنة تفخر عبر تاريخها بدور عظيم ملفت للفتاة والمرأة المصرية فيها -ولعل في هذا السياق يحق لي أن أسجل أن نسبة مشاركة الفتاة والمرأة في أسرة تحرير وطني تتجاوز 60% بين العاملين فيها- وأكرر أنه إذا كانت قوانين الانتخاب النقابية لا تضع معايير لنسبة تمثيل المرأة بدعوي الحرية المطلقة.. فقد آن الأوان لإعادة النظر في تلك القوانين والمبادرة بتخصيص نسبة 50% -وأكرر 50%- من مقاعد مجلس نقابة الصحفيين للفتاة والمرأة تقديرا لتاريخها وإسهامها في العمل الصحفي الذي لا يقل أبدا عن الرجل.
*** هذه بعض -وليست كل- تطلعاتي نحو المساحات الشاغرة في مجالس إدارة نقابة الصحفيين, والتي تنتظر شغلها بمن يستحقها.