منذ بدأت مؤتمرات القمة العالمية للمناخ عام 1997, في أعقاب صدور بروتوكول كيوتو مباشرة, والخلافات حول القضايا الساخنة بين الدول المتقدمة والدول النامية تلتهب في المواجهة بينهما, وتمزق إمكانية الاتفاق حول المسائل المصيرية في الأجندة العالمية لتغير المناخ.
خمس قضايا حرجة رئيسية يدور حولها الخلاف في كل مؤتمرات قمة المناخ سنويا علي مدي ستة وعشرين عاما حتي الآن, وتطرح نفسها بقوة علي القمة العالمية السابعة والعشرين للمناخ في شرم الشيخ في نوفمبر القادم.
تدور القضية الحرجة الأولي حول المسئولية: من هو المسئول عن مجابهة التغير المناخي والدفاع عن العالم كله تجاه آثاره المدمرة؟
منذ الحظة الأولي تؤكد الدول المتقدمة أنها مسئولية المجتمع الدولي كله, ومشاركته الجماعية في مواجهة التغير المناخي هي أمر بديهي وضروري وحتمي, بينما ترد الدول النامية المسئولية كلها علي الدول المتقدمة فقط, مشيرة في كل موقف بأصبع الاتهام إلي الدول المتقدمة أنتم الذين تملكون الصناعات وتطلقون إلي جو الأرض كميات هائلة من غازات الدفيئة, وأنتم الذين تتحملون المسئولية, أما نحن ففقراء معوزون لا صناعة لنا ولا مصادر جسيمة لإطلاق الابتعاثات.
لكن هذا المنطق تواجهه الدول المتقدمة برؤيا شاملة: نحن نصنع لأنفسنا ونصنع لكم في الوقت نفسه, وما البضائع والسلع والمنتجات والمعدات والآلات وكل منتجات الحضارة التي تنعمون بها في بلادكم سوي مصنوعات صنعناها لحسابكم, ولولا ذلك لما أطلقت لدينا غازات الدفيئة الناتجة عنها.. ففي الواقع نحن قد أصدرنا كثيرا من الابتعاثات لحسابكم, ولولا ذلك لما تضخمت كمياتها لدينا, ولذلك فمسئوليتنا جميعا مشتركة, ويتحملها المجتمع الدولي بأكمله, لكن المؤسف أن هذا الجدل يثور في كل مؤتمر, ولدي مناقشة أية إجراءات علي مدي ست وعشرين سنة حتي الآن.
وتتناول القضية الحرجة الثانية مسألة التخفيف, وهو الآلية الرئيسية في مواجهة تزايد ابتعاثات غازات الدفيئة, والمقصود بالتخفيف هي الإجراءات التي تتخذ للحد من الابتعاثات وتقليص تركيزاتها أو منع صدورها.
وتطالب الدول المتقدمة بالتخفيف جميع دول العالم لأن المشكلة في جوهرها تكمن في الزيادة المستمرة لتركيزات غازات الاحتباس الحراري في جو الأرض, لكن الدول النامية تجادل في ضرورة تفاضل المشاركة علي أساس مبدأ مهم أرسته الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ, وهو المسئوليات المشتركة ولكن متباينة Common but Differentiated Responsibilities, وتظل هذه المجادلة قائمة دائما لدي التصويت علي أي قرار.
وتركز القضية الحرجة الثالثة علي مسألة التكيف, والمقصود به القدرة علي التواؤم والتعايش مع التأثيرات السالبة لتغير المناخ, وتحتاج تنمية هذه القدرة لدي الدول النامية تمويلات ضخمة تصل إلي حوالي مائة مليار دولار سنويا.
وتصر الدول النامية علي أن الأولوية القصوي في العمل المناخي يجب أن توجه للتمويل لدرء الضرر الواقع من الأحداث المتطرفة Extreme Events التي تعصف بكثير من الدول النامية بين حين وآخر في الفيضانات والأعاصير والتصحر وجفاف الأنهار وموت المحاصيل وتحور الزراعات وتغول الآفات والأمراض المستحدثة وغيرها, لكن الدول المتقدمة تؤكد دائما أن الأولوية القصوي للتخفيف الذي يعالج المشكلات من جذورها, وبالتالي ‘فالتكيف’ ليس أولوية للتمويل بل التخفيف, ويظل هذا الجدل يدور في كل قمم المناخ دون أن يحسم علي الإطلاق.
وتتعلق القضية الحرجة الرابعة بآليات التنفيذ التي تصر الدول المتقدمة علي أنها غير ملزمة وغير محددة, بينما تحاول الدول النامية أن تؤكد بكل سبيل أنها ملزمة للدول المتقدمة, وملزمة بالأكثر نحو تقديم تمويل محدد وواضح قابل للقياس, وهذه القضية بهذا الخلاف تتكسر عليها قرارات مهمة كثيرة يتعذر الاتفاق عليها.
أما القضية الحرجة الخامسة فتدور حول شكل المساهمات الوطنية, فحيث تطالب الدول المتقدمة بأن الشكل المهم والرئيسي للمساهمات الوطنية هو فقط خفض غازات الدفيئة, تطالب الدول النامية في المقابل بأن المساهمات الوطنية للدول؟ علي الأخص المتقدمة منها؟ يتعين أن تشمل التكيف, والتخفيف الطوعي, والتمويل, ونقل التكنولوجيا, وبناء القدرات.
وهذه القضية تحقق فيها الدول النامية مكاسب مستمرة في جوانب نقل التكنولوجيا وبناء القدرات, لكنها تظل تطالب بالتمويل والتكيف, في الوقت الذي تظل الدول المتقدمة تطالب دائما بالتخفيف الطوعي, وأحيانا يلتقيان لكنهما في أحيان ليست قليلة يحتدم بينهما الخلاف.
خمس قضايا ملتهبة تقف دائما كصخرة كئوود يتحطم عليها الاتفاق علي القرارات المهمة, لكن شرم الشيخ هذه المرة تضع العالم كله في منعطف خطير لتغير المناخ, ويتعين عليه أن يصل للاتفاق المنشود علي القرارات الخطيرة التي يتوقف عليها إنقاذ كوكب الأرض.