لست أنا قائل هذا السؤال, فقائله هو الراهب الكاثوليكي الأب جورج شحاته قنواتي, واسم الشهرةالأب قنواتي بلا زيادة أو نقصان,أما شهرته الأكاديمية فأستطيع القول بحكم علاقتي الحميمة معه علي مدي نصف قرن إنه كرس حياته لأمرين لا ثالث لهما وهما: إحياء التراث الإسلامي المسيحي والحوار الإسلامي المسيحي,وأنه كرس الأمر الأول لصالح الثاني, ولا أدل علي ذلك مما حدث في يوم 26 يونيو من عام 1934 عندما ذهب المستشرق الفرنسي والدبلوماسي لويس ماسينيون1883-1912 والذي يعتبر الأب الروحي للحوار الإسلامي المسيحي إليقلاية الأب قنواتي,إذ كان في حينها راهبا وتحدث معه عن العلاقات بين الإسلام والمسيحية,وإثر ذلك تكررت اللقاءات في باريس والقاهرة وفي المؤتمرات الدولية, وكان آخر لقاء بينهما في14 أكتوبر من عام 1962 وفي 31 أكتوبر من ذلك العام, أي بعد أسبوعين من ذلك اللقاء, غادر ماسينيون هذه الدنيا, وفي29 نوفمبر من عام 1963 ألقي الأب قنواتي محاضرة في جامعة القديس توما بروما تحت عنوانالإسلام في زمن المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني1962-1965 وإثر تلك المحاضرة قيل عن الأب قنواتي إنه مهندس الحوار الإسلامي المسيحي في سياق جديد مغاير للحوار الذي كان يقوده ماسينيون,إذ استند إلي إحياء تراث تجاوز فيه المعتقد وهذه المجاوزة مردودة إلي ما ورد في ختام محاضرته:وأن العقائد غير قابلة للتغيير, ولهذا من العبث الاقترابوالجدير بالتنويه هنا أن البابابولس السادس قد أرسل خطابا إلي الكاردينال تيسران في يوم المحاضرة يعلن فيه عن نيته في تأسيس لجنة الأديان غير المسيحية, وفي تعيين الأب قنواتي مستشارا لهذه اللجنة وفي هذا السياق أسس الأب قنواتي مع آخرين المعهد الدومينيكاني للدراسات الشرقيةالمتخصص في متابعة الحوار الإسلامي المسيحي مع نشر ما يترتب علي ذلك الحوار من بحوث في مجلة باللغة الفرنسية تحت عنوان Melanges والذي يقابل اللفظ العربيأمشاج ومعناه الخلط بين التراثين الإسلامي والمسيحي من غير انحياز لطرف دون الآخر, وقد سبق للعالم المستشرق اليهودي مونك أن أصدر مجلة بعنوان أمشاج من فلسفة يهودية وعربية, وبتكليف من الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية اضطلع الأب قنواتي بإصدار مؤلف عن الفيلسوف الإسلامي ابن سينا في عام1950 وذلك بمناسبة مرور ألف عام علي ميلاد ذلك الفيلسوف تحت عنوانمؤلفات ابن سينا وقد اشتمل علي مؤلفاته المطبوعة والمخطوطة.
وعندما فكرت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم إقامة مهرجان لابن رشد بمناسبة مرور ثمانية قرون علي وفاته رأت أن خير من يقوم بإصدار كتاب يضم مؤلفاته المطبوعة والمخطوطة والدراسات التي دارت حوله قديما وحديثا هو الأب قنواتي لصلته الوثيقة بالمراكز الثقافية التي تعني بالفكر الإسلامي في العالم بأسره وهو فوق ذلك رحالة مثل ابن بطوطة يجوب الآفاق ويزور المكتبات الكبري ومعاهد المخطوطات إلي حد التندر ببساطه السحري الذي ينقله حيث يشاء وبذلك أصبح هذا البساط واقعا ملموسا, ولم يكن حصر مؤلفات ذلك الفيلسوف العظم بالأمر الميسور لأن أصولها موزعة بين مكتبات العالم وقد وصلت إلينا في لغات ثلاث: العربية والعبرية واللاتينية, ولم يقف الأب قنواتي عندما ما كتبه ابن رشد بل أضاف إليه ما كتب عنه قديما وحديثا, وفي نهاية المطاف أصدر كتابا عنوانه مؤلفات ابن رشد في عام 1978 ووزع بالمجان علي أعضاء مهرجان ابن رشد الذي انعقد في الجزائر في ذلك العام, ويلزم التنويه هنا أن حصر مؤلفات ذلك الفيلسوف لم يكن أمرا ميسورا لأن أصوها موزعة بين مكتبات العالم المتباينة بثلاث لغات عربية وعبرية ولاتينية.
وفي هذا السياق كله ألم يكن محقا في تساؤله الذي ورد في عنوان هذا المقال وفي مطلة بأن أبحث له عن جواب وجاء الجواب ولكن بالسلب, أي لا يحق لك, وجاء تبريري لهذا الجواب. في سياق قصة ذاتية بدايتها في عام 1992 عندما اعترض رئيس المجمع علي ترشيح خبير بلجنة الفلسفة بهذه العبارة المسيئة إلي سمعة المجمع عندما قال:للحفاظ علي سمعة المجمع وكرامة الأعضاء المنتخبين أرجو حدق اسم الخبير الأستاذ الدكتور مراد وهبة جبران الذي سبقت الموافقة علي ترشيحه, وكان رئيس المجمع في حينها الأستاذ الدكتور شوقي ضيف. وجاء في مذكرة الرد علي هذا الاعتراض بقلم رئيس لجنة الفلسفة الأستاذ الدكتور كمال دسوقي: إن له معجما فلسفيا يتميز بقة إبراد للمصطلح الفرنسي والإنجليزي لفلاسفة العرب المسلمين.
وقبل رحيل الأب قنواتي بشهور سألني:
ما رأيك فيما هو حادث؟
فأجبته بسؤال:
وما هو هذا الذي هو حادث؟
أجاب: التعصب
فأجبته: من أسبابه أصولية دينية مغلقة بحوار ديني.