سمعت عنه قبل أن أراه. إنه نظير جيد سمعت عنه إن لقبه شاعر الكتلة, وهو لقب منحه إياه مكرم باشا عبيد الذي كان قد أنشق عن حزب الوفد في عام 1943 وكان في حينها أمينا عاما للحزب إلا أنه في ذلك العام كان قد نشر كتابه المعنون الكتاب الأسود في العهد الأسود والمقصود بالعهد هو عهد حزب الوفد, وإثر ذلك أسس حزب الكتلة الوفدية.
ثم رأيته عندما جاءني في مقر مجلة مدارس الأحد وكنت في حينها مسئولا عن تحريرها بحكم الضرورة وسلمني قصة عنوانها حدث ذات ليلة وطلب مني نشرها إذا حازت القبول, وقد كان والجدير بالتنويه هنا أنني قد كشفت بعد قراءة القصة أن لدي كاتبها طاقات مذهلة في كتابة ما يريد فعرضت عليه أن يكون مسئولا عن تحرير المجلة, وقد كان, أما أنا فقد أصبحت مجرد كاتب من كتاب المجلة فحررت مقالا في عدد يوليو 1952 عنوانه واعظ الدين راوغ نظير جيد في نشره دون إبداء أسباب ولم أتمكن من نشره إلا بعد أن ذهب إلي أبيه الروحي الراهب الأب متي المسكين وترك لي أستكمال ما تبقي من فراغات في المجلة, وصدر العدد وفيه المقال ولكنه لم يعترض علي النشر.
ومع ذلك فأنا أظن أن هذ المقال يشير بأمر ما قد يكون مؤشرا علي وضع ما في مستقبل الأيام.
ومن هنا ارتأيت أنه من اللازم نشره اليوم في ايجاز وقد مهدت لذلك المقال بفقرة مقتبسة من الشاعر اللبناني العظيم جبران خليل جبران: كان في قديم الزمان إنسان, وكان له ملء واد من الإبر, وفي أحد الأيام جاءت إليه أم يسوع وقالت له إن رداء ابني مشقوق وأريد أن أرتقه له قبل أن يذهب إلي الهيكل, أفلا تقرضي إبرة؟.
لم يعطها إبرة إنما أعطاها عظة بالغة كانت عن الآية: أطلبوا تجدوا لكي تأخذها إلي ابنها قبل أن يذهب إلي الهيكل.
أما في شأن واعظ الدين فقد قلت فيما قلت: هل تعلم يا واعظ الدين أن الذين ألقوا القبض علي السيد المسيح وحكموا عليه بالقتل هم حفاظ الشريعة؟ وهل تذكر يا واعظ الدين كم أنزل السيد المسيح من سياط اللوم اللاذع علي أولئك الحفاظ؟ أنزل عليهم السوط يوم الخروف الضال ويوم المرأة الزانية ومرات عديدة شبيهة بهذه وتلك.
واليوم, نحن نحفظ آيام الانجيل ونرددها فنحسب أنفسنا أتقياء, ونعلنها من علي المنبر فنحسب أنفسنا تلاميذا للمسيح, ونبغض كل من لا ينتمي إلي المسيحية ونحسب أنفسنا سائرين في الطريق المستقيم.
وهكذا أخذنا نحيك شبكة من القيود والحدود السخيفة وجعلناها المطالب الأولية للدين, ولقد أضنانا ضباب الوعظ ونحن ننتظر اليوم الذي نري فيه جمال العمل الذي يفتح القلب ويصرف الانفعالات الخبيثة. والجدير بالتنويه هنا أن هذه الانفعالات لاتزول بترديد آيات الانجيل إنما بالممارسة العملية التي تنطوي عليها هذه الآيات, إذ من شأن هذه الممارسة أن تدخلنا في علاقة عضوية مع المعذبين في الأرض فنبحث معهم عن كيفية إزالة ذلك العناء ومن ثم يكون هذا طريقا إلي تفجير طاقتهم الإبداعية المكبوتة.
والمفارقة هنا أنه بعد نشر ذلك المقال بدأنا ـ نظير جيد وأنا ـ نفكر في الإصلاح الكنسي.