ورد إلي ذهني عنوان هذا المقال إثر قراءة عبارة الرئيس عبدالفتاح السيسي التي قالها لقداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الرازة المرقسية وللشعب المصري بأكمله بمناسبة عيد الميلاد المجيد في 7 يناير من هذا العام: لا تتمييز بين المصريين علي أساس الهوية الدينية.
عبارة بسيطة في معانها الظاهري ولكنها عميقة وثورية في معناها الباطني. فقد أعتدنا منذ ثورة 1919 التركيز علي إمكان التعايش بين الهويتين الإسلامية والقبطية إلا أن هذا التعايش أنتهي إلي الصدام وحدوث أزمات تحت عبارة الفتنة الطائفية.
وفي 21 مايو من عام 1963 تقدم الرئيس جمال عبدالناصر إلي أعضاء المؤتمر الوطني للقوي الشعبية بوثيقة أطلق عليها أسم الميثاق. وفجأة دعت سهير القلماوي التلميذة المخلصة لطه حسين إلي ضرورة أن ينص الميثاق علي أن الإسلام دين الأغلبية ودين الأغلبية هو دين الدولة (الأهرام 7 يونية 1963) ووافق علماء الأزهر بعد ذلك علي أن ينص دستور مصر علي أن دينها الرسمي هو الإسلام. وقد جاءت هذه الموافقة تكرارا لما ورد في دستور 1956 الذي نص علي أن يكون دين الدولة هو الإسلام ولغتها هي اللغة العربية. وهكذا أصبح الوضع القائم, من هذه الوجهة, هو الوضع القادم لأية محاولة تخص تعديل الدستور. والمغزي هنا أن مصر دولة دينية شئنا أو لم نشأ وتستند في ذلك إلي هوية الأغلبية وهي الهوية الإسلامية وكان علي الهوية القبطية أن تكون في رعاية الهوية الإسلامية. وهذا ما عبر عنه السادات بقوله أنا رئيس مؤمن في دولة أغلبيتها من المسلمين وأقليتها من المسيحيين. ومع بداية السبعينيات من القرن الماضي تصاعدت الفتن الطائفية. وهكذا أستمر الوضع القائم بلا تغيير. وفي هذا السياق صدر عدد من المؤلفات والمحاورات ما بين مؤيد ومعارض ومع هزيمة المعارض.
والسؤال بعد ذلك:
هل يظل الوضع القائم علي هذا الأساس؟
الجواب بالنفي بناء علي ما سردناه في مسار هذا المقال. والنتيجة دخول الوضع القائم في أزمة. ومع حدوث الأزمة يلزم بالضرورة تكوين وضع قادم يكون بديلا عن وضع قائم مأزوم.
وقد عبر الرئيس عبدالفتاح السيسي عن ذلك الوضع القادم في عبارته الثورية لا تمييز بين المصريين علي أساس الهوية الدينية. ويترتب علي ذلك ضرورة إصدار دستور جديد تخلو مواده وبنوده من أية إشارة إلي الهوية الدينية. ويترتب علي ذلك أيضا أن تصبح كتبا معينة في ذمة التاريخ نقرأها علي أنها روايات تحكي عن وضع كان قائما ثم مضي ولن يعود بحكم فقدانه الفاعلية. من هذه الكتب كتاب الأقباط عبر التاريخ للدكتور سليم نجيب الصادر في عام 2001, أي مع بداية القرن الحادي والعشرين يتحدث فيه عن اضطهاد الأقباط وحقوق الأقباط.
والمطلوب أذن بعد ذلك أن تنشأ نخبة مصرية جديدة وتدخل في علاقة عضوية مع الجماهير لأفراز وعي مصري محكوم بهوية مصرية لا علاقة لها بأية هوية دينية.
لا تتمييز بين المصريين علي أساس الهوية الدينية.