أعترف أنني لا أفهم تصرفه.. القمصلوقاهلال, كاهن كاتدرائية ماريوحنا الحبيب, ووكيل مطرانية نجع حمادي.. يتصرف دائما في الأفراح تصرفا لا أفهمه.. فبحكم أن كنيسته هي الأكبر في منطقتها, تتوافد عليها الأفراح من مختلف المحافظات المجاورة, ويتوافد معها الكهنة والشمامسة القادمون للتهنئة والمشاركة في الصلاة, وفي الزفاف.. يحضرون قبل الزفاف بساعة في انتظار العروس, فيستقبلهم في مكتبه بالسلامات الحارة.. وعندما تدخل العروس إلي قاعة الكنيسة, يدخل الكاهن الضيف إلي الكنيسة, فيسلم عليه القمص لوقا مرة أخري بحرارة كما لو كانا التقيا الآن فقط!!..
أنظر إليه متعجبا!! أتساءل هل نسي أنه قد سلم علي نفس الكاهن منذ أقل من ساعة؟؟ ولكن الأمر يتكرر كلما حضر كاهن غريب, أو ضيف قادم من الخارج.. يرحب به القمص لوقا في مكتبه, ويعيد الترحاب به داخل الكنيسة.. أسأله عن هذا التصرف العجيب, فيخبرني ضاحكا: لما تكبر هقولك.. أتحسس شنب اعدادي الأخضر علي شفتي, وأكاد أخبره أنني كبير بما يكفي.. ولكني أعرف أنه لن يشرح شيئا..
ولكني لم أنس الموضوع حتي جاء يهنئني ذات يوم علي نجاحي في الثانوية.. فنظرت إليه نظرة ذات معني قائلا: أنا كبرت وعايز أفهم.. يضحك قائلا: لسة فاكر.. يصمت قليلا ثم يقول: أخاف أن أقع تحت آية: ويل لذلك الإنسان الذي به تأتي العثرة (مت18:7). فشعب الكنيسة لم يرني وأنا أستقبل الضيوف في المكتب قبل الزفاف, ولكنهم يرون الضيف في الكنيسة, وقد يظنون أنني ربما لست سعيدا بوجود كهنة أغراب في الكنيسة.. لذا أصر علي أن أسلم عليهم أمام الناس, لكي لا يقع أحد في خطيئة الإدانة وأكون أنا سبب عثرة له..
أنظر إليه متعجبا.. فهو الكاهن الأقدم في المنطقة كلها, بل وكيل مطرانية نجع حمادي, هو حرفيا قد ربي أجيالا, الكاهن الأكثر ضحكا وابتساما في التاريخ, أستاذ التاريخ الكنسي في الكليات والمعاهد, الكاهن الذي يجامل ويعزي, في الأفراح والأحزان, المسلمين قبل المسيحيين.. حتي قيل إنك تجد صورته في ألبوم كل أفراح الصعيد بلا استثناء.. لذا فلو كان هناك شخص يستطيع أن يرتكن علي سمعته سيكون هو القمص لوقا..
لذا كان غريبا بالنسبة لي, أن يظن شخص ما علي وجه الأرض كلها, أنه متعال أو متكبر.. فكيف يخشي هو من أن يكون سبب عثرة للآخرين؟!
الآن وبعد عشرين عاما.. بعد أن نضج طفل إعدادي, وتساقط الشعر من رأسي, أعترف أني أواجه صعوبة ليس في فهم ما فعله, وإنما في معرفة كيف يستمر في فعله, في وسط عالم أصبح لا يهتم بمشاعر الآخرين, ويعيش في شعارات الفيس بوك, من نوعية (الذي يريد أن يفهمني خطأ فليفهم- أنا غير ملزم أن أصلح أفكار الآخرين- طالما أنا صح فليحترق الآخرون)..
فبالكاد يستطيع إنسان ألا يفعل أي خطأ ولكن أن يهتم بألا يكون سبب عثرة للآخرين, هو بالتأكيد الشيء الأكثر صعوبة علي الإطلاق.. لذا استحق هو أن يكون المحبوب من جميع الناس.