قال: تخيل يا أخي فلان غلط في أنا… لقد صنع هذا عن عمد, متعمدا إهانتي.. والله لن أسكت…
بينما يستمر هو في حديثه, يراني صامتا.. يظن أني أؤيد كلامه, لذا بتفاجأ بأني أقول له: (لعله.. لا يقصد.. لعله لم يعرف.. لعله ولعله.. أرجوك سامحه).
يظن أني أدافع عن الآخر, بينما أنا أدافع عن نفسي.. أحاول أن أبرز موقفا حدث معي منذ خمسة وعشرين عاما.. في أيام الجامعة, حيث السكن في بيت المغتربين القادمين من خارج المحافظة… في عمارة كبيرة كلها غرف لأمثالي من طالبي العلم حتي لو في الصين.
أسكن في غرفة ومعي فيها زميل بلدياتي… ولكنه أصغر مني سنا, لذا فقد كنت الأقدم في الغرفة, وهو المستجد الذي قدم منذ أسبوعين فقط… ويخبرني أنه سيسهر مع طلاب دفعته في الدور الثاني للمذاكرة استعدادا للامتحانات لذا يقول: صموئيل لا تضع المفتاح في الباب بعد أن نغلقه.. ويكرر مرتين, وأنا أخبره لن أنسي.. ولا تقلق أنت تعلم أن نومي خفيف…. فينصرف بينما أستعد أنا للنوم مبكرا استعداد لمحاضرات الغد…
أنام في عمق لأستيقظ صباحا بمفردي قبل حتي أن يرن المنبه, .. أنظر إلي سريره فلا أجده عليه.. فأخمن أنه ربما نام عند أصدقائه.. وأتحرك ناحية باب الغرفة لاكتشف أنني قد أغلقته من الداخل ونسيت المفتاح في البابا!!!
.. يانهار أسود.. كيف نسيت… لقد نبه علي أكثر من مرة
أفتح الباب لأجد طالبا من الغرفة المجاورة يستعد للذهاب إلي المحاضرة الأولي وهو ينظر إلي بغضب شديد قائلا (أنت نايم نومة أهل الكهف؟.. أنت صحيت كل السكن ومحدث عرف ينام بسببك)…
لاكتشف أن زميلي حاول أن يدخل الغرفة, ولكنه لم يعرف بسبب المفتاح, فطرق البابا عدة مرات ومرات أخري.. وأخري… حتي أنه من شدة الطرق أيقظ كل الزملاء في الدور, بل لقد حضر مشرف السكن من الطابق الأرضي علي صوت الطرق… وكل هذا وأنا لم أستيقظ… حتي اضطر آسفا إلي أن يبيت في غرفة أحد الزملاء, متجاورا له علي سرير يتسع لفرد واحد فقط…
أذهب إلي صديقي معتذرا.. لا أعرف ماذا أقول.. فكيف يقتنع أنني لم أتعمد أن أغلق الباب بالمفتاح؟… وكيف يقتنع أني لم أستيقظ حتي مع كل الطرق الذي أيقظ مشرف السكن من الدور الأرضي….
طبعا لم يقتنع… وطلب نقله من الغرفة ورحل… رحل بعدما اقتنع أني طردته من الغرفة بالذوق, وقلتها لا باللسان وإنما بالفعل الأكيد…
أخبره وأخير كل الزملاء.. لم أسمعكم.. صدقوني… كنت نائما كما لو أن أحدهم وضع سداده أذن في أذني… ولكن لا أحد يصدق… فالجرم جرمان… غلق البابا وعدم الاستيقاظ.. والعتب شديد لأني صديق قبل أن أكون زميل سكن…
تذكرت وقتها قصة حدثت سنة 323م قرأتها ولم أصدقها حتي أصبحت أنا نفسي أحد أبطالها… [فقد حضر ضيفا إلي الأنبا باخوميوس.. وإذ استمر الحديث معه حتي منتصف النهار… دخل عليهما تلميذه فقال له الأنبا باخوميوس: اتعب وضع طعاما للضيف.. فقال له التلميذ حاضر ثم انصرف, لتمر ساعتان ويحضر تلميذا آخر ويكرر الأنبا باخوميوس الطلب يا ابني أحصر طعاما للضيف ويقول التلميذ حاضر ياأبي.. وينصرف وتمر ساعات حتي يشعر الأنبا باخوميوس بالحرج ويقوم بنفسه (مع كبر سنه).. ليعد الطعام للضيف… ويعدها يلتقي مع تلميذته ويعاتبهما بمحبة الأب: طلبت منكما أن نحضر طعاما للضيف ولم اتحضرا, فهل يقول الشيف أننا بخلاء..؟
ليخبره التلميذان في نفس الوقت. ما سمعناك تطلب طعاما وإنما سمعناك تقول لنا أغلق البابا.. وانصرف.. قاطعنا وانصرف….]
كيف سمعنا, شخصان مختلفان, كلمات غير حقيقية..؟ وكيف نسيت أنا ولم استيقظ بعد كل هذا الطرق, وأنا استيقظت صباحا بدون حتي جرس المنبه…؟ لا أعرف.. ولكني أحكي قصتي هذه كلما رأيت مشاجرة قائلا: أعط عذرا… فالأمور ليست دائما مثلما تراها.. والشيطان بالحقيقة.. شاطر.. شاطر جدا.