يحثنا القديس بولس قائلا:إن ملكوت الله ليس أكلا وشربا, بل بر وسلام وفرح في الروح القدس (رومية14:17).
مما لا شك فيه أننا جميعا نتطلع إلي السعادة الدائمة, طالبين من الله ألا نفقدها أبدا, لكن الغالبية العظمي تظن أنها تأتيهم من الغني والمجد والخيرات الأرضية.
فإذا قمنا بوقفة مع الذات لمعرفة ما وصلنا إليه, سنكتشف هذا:أصبحت منازلنا أكبر وأجمل, ولكن علائلاتنا أصغر, ومقتنياتنا أثمن, وأخلاقنا أفقر, سيارتنا أفخم ولكن معاملاتنا أسوأ, شهاداتنا أعلي وفهمنا أدني, نبحث للكسب في معيشتنا ونسينا سعادة حياتنا.
نسعي إلي إضافة أعوام إلي حياتنا, ونزعنا الحياة من عمرنا.
استطعنا الوصول إلي القمر واخترقنا الفضاء, ولكننا لم نعرف من هم جيراننا.
ننفق كثيرا ولكننا نسعد قليلا, كما أن حياتنا تسير بسرعة جنونية, ولكن انجازاتنا أقل.
طعامنا أكثر ولكن صحتنا أضعف.
ننفق الملايين علي أفراحنا, ثم لا ننتهي من حالات الطلاق.
نتكلم قليلا ونكذب كثيرا.
لماذا تحولت حياتنا هكذا؟يحكي عن معلم كان يسعي إلي الكمال, فقضي ثماني سنوات فيها يتوسل إلي الله لكي يرشده لطريق القداسة والسعادة.
ثم سمع صوتا يهمس في أذنيه:اذهب إلي المنزل المجاور لك, ستجد رجلا مسنا سيحقق لك ما تريد فقام لساعته لينفذ الأمر فوجد إنسانا بسيطا فحياه قائلا:أسعد الله صباحك, أجاب الفقير:لا أذكر أنني قضيت يوما سيئا في حياتي, فلماذا تدعو لي بالسعادة؟-إذا فليباركك الله!-وماذا تعني ببركتك هذه؟ أنا لم أعرف في حياتي سوي البركة!-أقصد بذلك أنني أتمني لك كل أنواع السعادة!-لست بحاجة إلي شيء من هذا القبيل, لأني لم أشعر بالتعاسة أبدا!-إذا ليكن الله معك! أجاب الفقير:ولكن الله معي دوما ولم يفارقني! وفي النهاية طلب منه الشخص الذي يسعي إلي السعادة والكمال قائلا:أرجو منك يا والدي العزيز أن تشرح لي موقفك هذا لأنني لم أفهم شيئا! أجاب الرجل:أنا لم أعرف أبدا في حياتي يوما واحدا رديئا, لأن كل ما أشعر به من جوع وعطش وفقر وألم هو عطية من الله, وكذلك لم أنل فيما مضي من عمري سوي كل بركة.
إذا أنا أؤمن بأن كل ما يحدث في الكون هو بإرادته, لذا أنا أقبله بفرح وطمأنينة مادام من يد الله خالقي وحافظي.
أما الشقاء لم أشعر به قط لكوني مستسلما لإرادة الله وواثقا في حنانه, ولم اطلب شيئا لايرضيه, ولذا أجد الله في قلبي ولايفارقني, وفي صحبته أشعر بسلام وسعادة لا مثيل لهما.
نتعلم من هذا الموقف أن الشخص الحكيم هو الذي يسعي للحفاظ علي لحظات السعادة التي تأتيه في أي لحظة, ويفضلها عن كنوز الدنيا.
كم من أشخاص يفتشون عن السعادة, في حين أنها بين أيديهم وفي قلوبهم؟وكم من هؤلاء الذين ينفقون أموالا طائلة للحصول عليها, في حين أنها لاتكلفهم شيئا؟ إذا يجب علينا ألا نضيع الفرص التي أمامنا ونشعر فيها بالسعادة والفرح, كما أننا نستطيع الحصول عليها عندما نزرعها في قلوب وحياة الآخرين,كما أن كل إنسان لن يستطيع أن يجدها بعيدا عن الله مصدر كل سعادة, ويكون كمن يحاول أن يمسك ظله, ولن يحقق هذا إطلاقا لنتعلم من الفيلسوفSeneca الذي كان يعلم صديقه قائلا:أتمني ألا ينقصك الفرح, وأن يولد في منزلك, ويولد لأنه بداخلك, لأن مظاهر السعادة الخارجية والوقتية لن تملأ قلبك, فهل تعتقد أن إنسانا ما سعيد لأنه يضحك؟ولكن ينبغي أن تكون الروح فرحة إن قلب الإنسان أكبرمن أن يملأه العالم, لأن الله خلقه ليملأه هو, ولا شيء سواه من المخلوقات يستطيع أن يقوم بهذا الدور العظيم, لا الغني ولا الشهرة ولا المجد ولا الملذات, ولا أي شئ آخر يستطيع أن يسعد قلبنا.
إذا فالقلب لا يجد سعادته إلا في الحق الكامل, والخير المنزه عن كل نقص, والجمال الخالص, فالله وحده هو مصدر وينبوع كل حق وخير وجمال.
مما لاشك فيه أننا نستطيع الحصول علي السعادة في المحيط الذي نعيش فيه, عندما نقوم بواجباتنا نحو الآخرين بكل أمانة ونعطي بلا مقابل, ولنسعي إلي نشر السعادة بين أكبر عدد من الناس, وأن نضاعف أيامهم الضاحكة, ونقلل لياليهم الباكية والحزينة إذا ما أسهل وأقصر الطريق للحصول علي السعادة! ونختم بالقول المأثور:هناك طريق للسعادة ألا وهو الكف عن القلق من أشياء لا سيطرة لإرادتنا عليها.