يتهلل داود النبي قائلا:يارب بكل قلبي أحمدك وأحدث بجميع عجائبك.
أفرح وأبتهج بك. أعزف أيها العلي لاسمك(مزمور9:3-2).
لماذا لا يشعر الكثيرون بوجود الله في حياتهم, بالرغم من بحثهم الدائم عنه؟ ما أكثر الذين يبحثون عن الله خارجهم, في حين أنهم فقدوه في قلبهم, نتيجة أعمالهم التي تناقض مشيئته! يحكي عن تلميذ كان يطرح هذا السؤال يوميا:كيف أجد الله تعالي؟ وكان يسمع كل يوم من معلمه هذا الجواب الغامض:من خلال الرغبة-ولماذا لم أجده حتي الآن, وأنا أنشده بكل جوارحي؟ وذات يوم خرج المعلم, ليستحم مع هذا التلميذ في مياه النهر, فما كان منه إلا أن غطس رأس التلميذ في الماء, فأخذ يعارك ببأس طلبا للنجاة.
وفي اليوم التالي شرع المعلم في النقاش:لما كافحت هكذا عندما وضعت رأسك في الماء؟-لأني كنت متلهفا إلي الهواء-إذا, ستجد الله تعالي عندما تحصل علي نعمة التماسه, بذات الرغبة التي تهلفت بها إلي الهواء لذلك يجب أن نكتشف الله في حياتنا اليومية من خلال الأحداث التي نمر بها, وأن نرغب في الشعور به أثناء أداء عملنا, وعبر علاقتنا الطيبة بالآخرين كما يجب أن تكون هذه الرغبة الملحة أقوي من أي اشتياق آخر نسعي إليه طوال حياتنا الأرضية.
فالله هو مصدر كل خير وحق وجمال, لذلك يجد الإنسان راحته ورضاه وسعادته في الله وحده دون سواه.
ماذا ينفع الإنسان إن قام بالبحث عن الله في الأماكن المقدسة, بينما فقده في قلبه؟ الغالبية العظمي تفكر في الله وتتذكره أثناء الصلاة فقط, بينما تهمله طوال اليوم تماما.
مما لاشك فيه أن الله معنا في كل حين بيده الحانية والجبارة لتسند ضعفنا, وتزيل العقبات من طريقنا, كما أنه لن يتواني أبدا عندما نهرع إليه طالبين منه المعونة بكل ثقة وإيمان.
فالله حاضر في حياتنا اليومية وفي كل لحظة, لكن العيب فينا لأننا نتعامل معه كديان صارم ينتظر لحظة ارتكابنا أي خطأ, حتي يعاقبنا في الحال علي ما صدر منا.
هنا يستطيع كل واحد منا أن يتساءل:ما هدف بحثي عن الله؟ هل لمجرد مصالح شخصية أم نتيجة محبتي الحقيقية له؟ نحن نعيش زمنا فيه تزييف الحقائق والمبادئ, حتي أن الكثيرين قاموا بتشويه وتزييف صورة الله الحقيقية لتتوافق مع مصالحهم الشخصية وأهوائهم الذاتية.
فبالرغم من أنه الأب الحنون الذي يسهر علي أبنائه, والمعلم الصالح الذي لا يغش ولا يغش, إلا أنهم يتعاملون معه كأنه صاحب بنك يدفع لهم المال, مقابل ما يقومون به من أعمال خيرية ويمنحهم المكافأة والعلاوات كما أن هناك بعض الذين يعتبرون الله ساحرا يستطيعون اللجوء إليه حتي ينزل بتعاويذ العقاب واللعنة علي هؤلاء الذين يخالفونهم الرأي والدين والمعتقد واللون والجنس, والبعض الآخر يرونه موظفا في مصلحة الأراضي يطلبون منه مكانا خصيصا لهم في السماء مقابل بعض الصلوات والطقوس, لكن الأمر يختلف تماما عن هذه الأفكار المغلوطة لأن الله هو أب حنون يعتني بعباده, ويسهر عليهم في كل حين, وينتظر سؤالهم واحتياجهم ليلبيها من أجل خيرهم العظيم.
كما أن الله أب رحيم, لا ينسي مخلوقاته, وخاصة الإنسان الذي خلقه علي صورته ومثاله ووضع بين يديه الكون كله ليتمتع به, فالله لن يخذلنا أبدا إن بحثنا عنه بقلب نقي وروح مستقيمة, ولن يرفض لنا طلبا مادام لخيرنا وسعادتنا, فالله معنا في كل حين, حتي وإن لم ندرك هذا نتيجة مشاغلنا واهتمامنا بأمورنا الأرضية فقط, من توكل علي الله ويشعر بوجوده في حياته اليومية, سينعم بعطاياه في كل حين, مهما كانت ظروف الحياة القاسية أو هجر الآخرين له.
وكما يقول القديس بطرس:ألقوا علي الرب جميع همكم فإنه يعني بكم(1بط5:7).
لذلك يجب أن نثق في الله الذي يعرف ماهو الأفضل لخيرنا, ومادام الله كلي القدرة, فهو يستطيع أن يعوض في لحظة ما نتخيل أننا فقدناه للأبد, ومن هذا المنطق يجب علينا أن نترك الله يعمل حسب مشيئته لا مشيئتنا, والإنسان الذي يثق في الله, لن يتزعزع إيمانه مهما تغيرت ظروف الحياة فالإيمان بالله يمنح الإنسان الثقة والطمأنينة والأمل, ويساعده علي التخلص من المخاوف والقلق والكآبة.
ونختم بكلمات القديس أوغسطينوس:خلقت قلبنا لك يا الله, ولن يذوق طعم السعادة حتي يجدك ويستقر فيك.