يعلمنا السيد المسيح قائلا:فإن أحببتم من يحبكم, فأي فضل لكم؟ لأن الخاطئين أنفسهم يحبون من يحبهم(لوقا6:32).
إذا قرأنا التاريخ نجد فيه الحديث عن هؤلاء الذين يشوهون سمعة الآخرين, ويسخرون منهم بدافع من الغيرة والحسد والكراهية.
لكن المحبة الحقيقية تدعونا إلي احترام الآخر وقبوله كما هو, وليس كما نريده نحن.
مما لا شك فيه أن غالبية الصراعات والحروب والمعارك في العالم, نتيجة أننا غير قادرين علي قبول الآخر لأنه مختلف عنا, لذلك يجب أن نعي جيدا بأن كل واحد في البشرية, له الحق في أن يؤمن ويعيش حسب دينه ومعتقداته بكل حرية, وأن يصبح ذاته وليس نسخة منا,لأن كل إنسان هو فريد من نوعه.
يحكي عن الرئيس الأمريكي لنكولن بعد الحرب الأهلية في بلاده, ما بين سكان الشمال ذوي البشرة البيضاء وسكان الجنوب ذوي البشرة السوداء, قام بموقف الحكم الصادق النزية, حتي أنه أظهر ما بداخله من العطف في قضية الزنوج الثائرين, مما تسبب في انزعاج إحدي السيدات ذات البشرة البيضاء وعاتبته في الأمر, فابتسم لنكولن لعتابها ابتسامة النفوس الكريمة, والقلوب الصافية, وأصحاب المبادئ الإنسانية السامية, وقال لها:سيدتي!أليس قضاء علي أعدائنا, أن نجعل منهم أصدقاء مخلصين لنا؟! فخجلت السيدة, ولم تنطق بكلمة واحدة.
مما لاشك فيه, أنه لاسبيل إلي قتل العدواة القابعة في داخلنا إلا بالحب, لكن البغض لايولد إلا الكراهية والحقد والانتقام, ومن المحتمل أن يدفع صاحبه إلي الإجرام,كما نقرأ ونسمع كل يوم عن النتيجة الناجمة عنه.
يا له من خزي وعار للجنس البشري,لأننا نعيش في عالم مشحون بالخصام والتوتر, ورفض كل من يختلف معنا سواء في الدين أو المعتقد أو اللون أو الجنس أو الفكر أو الذوق وغيرها.
لأن البغض لايلحق فقط الضرر بالغير إذا يجعل منه هدفا لأحكامنا الزائفة بحقه وتحاملنا عليه, ورفض كل مايقوم به من أعمال مختلفة, أو مايقدمه من خير تجاه المجتمع, وتشويه سمعته, والسعي إلي التخلص منه, ولكنه إذا تملك في قلبنا يصبح أيضا وكأنه سرطان ينهش فينا, وينزع من داخلنا كل العواطف الإنسانية, ويشوش شخصيتنا ويشوه كل ما نقوم به من تصرفات لأنه يختمها بختم الكراهية والحقد والتشقي, ومن ثم يفسد علينا لذة الحياة, فإذا كان الحب يبقي ويخلق ويشيد,فإن البغض يهدم ويفني ويبيد.
يالها من ينابيع سعادة وصحة تلك التي تغمرنا فضلا عن الثواب الإلهي, عندما نقوم بتنفيذ وصية المحبة التي علمنا إياها السيد المسيح قائلا:سمعتم أنه قيل:أحبب قريبك وأبغض عدوك أما أنا فأقول لكم:أحبوا أعداءكم وصلوا من أجل الذين يضطهدونكم(متي5:44-43) فالمحبة ليست دستورا أخلاقيا فقط للتعايش السلمي فحسب, بل دستورا صحيا أيضا, يلتزم باتباعة كل من يرغب في أن يعيش سليم الأعصاب سوي النفس فالسعادة لاتزدهر إلا حيث المحبة وقبول الآخر ونسيان الذات في سبيل الغير, ولا يشعر قلب الإنسان بالراحة, إلا حين يلتهب فيه الحب نحو الجميع.
وحينذاك فقط يصبح البشر أخوة أبناء عائلة بشرية واحدة فتخيم السعادة بينهم لأنه ليس بين الفضائل الإنسانية ما هو أروع وأسمي من محبة الآخرين إذا نحن بحاجة لبعضنا البعض مهما اختلفنا في الثقافة والدين واللون والجنس والمهنة, لأننا نكمل بعضنا البعض كل حسب إمكانياته ومواهبه وموارده, وهذا يعتمد علي قبول الآخر كما هو, ونتعاون معه من أجل الخير العام,فإن الغني الحقيقي لكل واحد منا, ينبع من هذا الاختلاف, لذلك علي جميع المسئولين والمربين والوالدين أن يزرعوا معني جمال الغني الموجود في الاختلاف والتنوع بين البشر, فحكمة الله اللامتناهية هي أن يخلقنا بهذا التنوع, لنستقي منه الروعة والجمال, كما نلمسه في ألوان الزهور المتنوعة, والآلات الموسيقية العديدة داخل الأوركسترا التي تشجنا بأجمل وأروع النغمات فكم بالأحري البشر, عندما يكونون مختلفين ليقدموا أعظم سيمفونية للحب, ويصنعوا أفضل وأجمل حديقة زهور بألوانها البهية المبهجة! لذلك لا يستطيع أن يدعي أي إنسان بأن الاختلاف يؤدي إلي خلاف, ولكنه يقودنا إلي الثراء والتناغم والانسجام, فالمحبة الحقيقية تساهم في بناء مجتمع صحي مؤسس علي أساس الاختلاف.
ونختم بالقول المأثور:عبثا فتشت عن نفسي فما استطعت الاهتداء إليها! وفتشت عن الله فما لقيت جوابا! ولكني فتشت عن القريب أخي, فوجدت معه الله ونفسي!.