يقول بولس الرسول:لأن حب المال أصل كل شر, وقد استسلم إليه بعض الناس فضلوا عن الإيمان وأصابوا أنفسهم بأوجاع كثيرة(1تيموثاوس6:10).
مما لاشك فيه أن طبيعة الإنسان تدفعه إلي حب التملك والحصول علي أكبر قدر من الأموال والأشياء, حتي أن الغالبية العظمي تظن أن الوصول إلي السعادة والطمأنينة والأمان, يعتمد علي الغني واقتناء كل ما يرغب فيه الإنسان.
يحكي عن أحد الأثرياء كان يمتلك مجموعة كبيرة من المصانع والشركات,لاحظ في إحدي جولاته ورحلاته الترفيهية صيادا بسيطا مستلقيا بجوار المركب المتواضع الخاص به, وكان يدخن البايب, فتحير في أمره وسأله:لماذا لاتبقي مدة أطول داخل البحر لتصطاد؟ أجابه الصياد:لأنني حصلت علي القدر الكافي من السمك الذي يطعم أسرتي,فسأله مرة ثانية:لماذا لا تطمح في الحصول علي كمية أكبر من تلك التي تحتاج إليها كل يوم؟ رد عليه:وماذا أفعل بها؟-تستطيع أن تربح مالا أكثر, ثم تشتري به موتورا للمركب ليساعدك في الدخول إلي مسافات أعمق في البحر وتحصل علي كمية أكبر من السمك, وبناء علي ذلك تبيعها لتوفر لك أموالا كثيرة, ثم تشتري أجود الشباك لتصطاد بها مئة ضعف الذي تحصل عليه كل يوم وتكثر أموالك, وبعدها تقوم بشراء أسطول من المراكب, ومن ثم تصبح من الأثرياء أمثالي, فقاطعه الصياد بقوله:وماذا أفعل بعد كل هذا؟ أجابه:تستطيع أن تستريح لتتمتع بالحياة وتعيش في سعادة وهناء.
فاضطر الصياد السعيد أن يسأله:كيف تراني الآن؟ وماذا كنت أفعل عندما وجدتني؟ من منا لا يطمح في السعادة طوال حياته؟مما لاشك فيه أن جميعنا يتطلع إليها متمنيا ألا يفقدها أبدا, لكن للأسف الكثير من الناس يظنون أنهم يحصلون عليها عن طريق الغني والمجد والملذات والأشياء الدنيوية فقط, ولكن خبرة الحياة تعلمنا أن مصدر السعادة هو الضمير الصافي والقلب المحب والقناعة بما نملك, كما أنها تغمرنا عندما نقوم بواجباتنا المطلوبة منا علي أكمل وجه, فكل هذه الأشياء تضمن لنا راحة البال وسلامة القلب ووفرة الطمأنينة, لأنها ثمرة علاقتنا الوطيدة بالله ومحبتنا له وللآخرين.
هنا نتعلم بألا نلهث وراء سعادة مزيفة تأتينا من بريق الذهب والمال الخادع, الذي يورثنا الغم والهم لأننا صرنا عبيدا لهما, ويكون همنا الأول والأخير البحث عنهما للحصول علي أكبر قدر ونقوم بتخزينه.
لا ننسي أن بريق الغني يحجب عنا رؤية جمال الخليقة والتطلع إلي وجوه البشر, وتنحصر حياتنا في سجن الأنا المدمر, كما أنه يدفعنا إلي الوقوع في رذيلة البخل وعدم الاهتمام بالآخرين أو النظر إلي احتياجاتهم.
لا نستطيع أن نتخيل ما تجلبه هذه الرذيلة علي صاحبها من تعاسة وأنانية,كما أنها تحزن قلب الله نتيجة مايقوم به من حرمان الآخرين الذين هم بحاجة إلي قوتهم اليومي, أو من يوفر لهم طلباتهم من علاج ورعاية وغيرها.
كثيرا ما نصطدم في حياتنا بأشخاص ينفقون أموالا طائلة للحصول علي السعادة بالرغم من أنها متوفرة بين أيديهم وفي داخلهم, ولا تكلفهم شيئا لكن تنقصهم نعمة القناعة والرضا بما يمتلكون أو تقديم مما في حوزتهم للآخرين, وهنا ستنقلب حياتهم رأسا علي عقب للأفضل والأجمل, كما أن السعادة ستغمرهم كل يوم نتيجة اهتمامهم بالغير وسد حاجته, من يبحث عن السعادة بعيدا عن الله ووصاياه ومحبته للناس, سيكون كمن يحاول الإمساك بظله لن يجدها مهما كلفة الأمر.
وما أجمل الأشخاص الأثرياء الذين يمتلكون الكثير, ولكنهم يساعدون الآخرين ويقومون بأعمال خيرية! لأن محبة المحتاجين والعطف عليهم, تفجر السعادة والبركة طوال حياتنا علي الأرض.
مما لا شك فيه أن الأغنياء الذين يعتبرون ثروتهم وغناهم بركة من الله, وليست نتيجة ذكائهم وبراعتهم, سيفضلون مساعدة الفقراء علي رفاهيتهم كما أنهم يضحون بأشياء كثيرة في سبيل سعادة المحتاجين وسد حاجتهم اليومية فالقناعة الحقيقية تفتح القلوب والبصيرة وتساعد الإنسان القنوع علي رؤية مالا يراه الطماع والأناني ويري الله في شخص المحتاج والفقير والمريض.
لنبدأ هذه التجربة الرائعة بالتفكير في الآخرين ومساعدتهم, وسنجد حياتنا أصبحت جميلة ورائعة ونشعر بطعم آخر لكل ما نقوم به لنبدأ بتضحيات حتي وإن كانت بسيطة في سبيل الآخرين ومحبتهم ونحمل السعادة إلي قلب المحرومين والمعذبين.ونختم بكلمات المهاتما غاندي:تتوقف السعادة علي ما تستطيع عطاءه, لا الحصول عليه.