يوصي القديس بولس الرسول أهل تسالونيكي قائلا:ولما كنا عندكم أعطيناكم هذه الوصية مرارا, وهي أنه إذا كان أحد لا يريد أن يعمل فليس له أن يأكل(3:10).
عندما نقرأ هذه الكلمات, يسأل كل واحد منا نفسه:هل أقوم بالواجبات المطلوبة مني تجاه أسرتي ووطني وعملي؟ للأسف نجد الكثيرين الذين يتهربون من القيام بأعمالهم,كما أن هناك عددا لا حصر له للأشخاص الذين يختلقون ويخترعون شتي الأعذار ليعفوا أنفسهم مما هو مطلوب منهم,يذكرنا هذا بالتلميذ الكسلان الذي كان يبحث عن شتي الأعذار ليتهرب من واجباته, وعندما ذهب في صباح أحد الأيام إلي مدرسته كالمعتاد دون أن يقوم بواجباته المدرسية المطلوبة منه, سأله المعلم:أين الواجب يا صديقي؟ أجاب التلميذ بكل بساطة:يا معلم حضرتك قلت لنا أن نقوم بتحضير التمرين الخامس! فأجابه المدرسحسنا وأين هو؟ فقال التلميذ:صادفت ليلة أمس أحد زملائي في الطريق, ولكنه أخبرني بأن الواجب المطلوب إعداده هو التمرين العاشر.
عندئذ سأله المعلم:وهل قمت بتحضيره؟, أجابكلا يا أستاذ!لأنني لم أفهم أي التمرينين هو المطلوب, فتركت كل شيء دون إتمامه.
مما لا شك فيه أن العديد من الأشخاص يشبهون هذا التلميذ الكسلان, عندما يختلقون شتي الأعذار والتبريرات وتكون نواياهم أن يتهربوا من أي شيء يطلب منهم.
وكأن هذه المبررات سبب كاف ومقنع يعفيهم من إتمام الواجبات والأعمال المطلوبة منهم تجاه الآخرين,لكن الإنسان الفاضل والشريف يعتبر العمل المطلوب منه شيئا مقدسا, لا يتهاون في القيام به مهما كانت الظروف المحيطة به, ويبدأ بالخطوة الأولي وهي أن يحب الشيء المطلوب منه ويجد ذاته فيه, ويكرس كل جهده وطاقته وكيانه لتحقيق أفضل نتيجة,مما لاشك فيه أن غالبية الجنس البشري يعملون من أجل الحصول علي لقمة العيش والرزق فقط, فالهدف الأول والأخير لهم هو الربح والغني, لكننا نعترف بأن هناك نخبة في المجتمع, تعمل لا طمعا في الكسب, بل تلبية لنداء داخلي من أجل خير الإنسانية, ونجد هؤلاء الأشخاص موجودين في مجالات متعددة سواء التعليم أو الطب أو الهندسة أو التمريضن وغيرهم,جميعهم يعمل من أجل إسعاد الغير وتوفير الراحة للمتعبين وثقيلي الأحمال.
وهؤلاء يجدون سعادتهم الحقيقية فيما يقومون به من تضحية وجهد,كما أنهم لايبالون بأي تعب يحل عليهم, أو بالمال والوقت المقدمين من أجل الآخرين,حتي أنهم لا ينتظرون أي مقابل, ويقول الفيلسوف العلامة أفلاطون:إذا أتممت واجبك بالرغم مما تشعر به من عناء فالعناء يزول,بينما لذة القيام بالواجب لا تزول أبدا لذلك يجب علينا أن نعتبر العمل عبادة, وكل من يبذل مجهودا أو يقدم تضحية في سبيله, إنما يدل علي روح البطولة الحقيقية المبنية علي روح العطاء, علاوة علي ذلك أن الله العادل يكافئنا علي كل ما نقوم به في سبيل الغير بإخلاص وتفان, ويبارك الله في الشخص الأمين الذي يفعل هذا.
كما أن الإنسان الذي يقوم بواجباته بكل إخلاص وأمانة, سيشعر بالسعادة وراحة البال عما فعله, لأن العناء يزول بعد الانتهاء من العمل, لكن السعادة تظل باقية دائما.
إن الإنسان الذي يتهرب من واجباته أويشكو دائما من ثقل العمل, ويتذمر من المسئوليات يقع في الكسل والخمول وإحباط العزيمة.
لكن الشخص الذي يشعر بقيمة العمل, لايبخل بما منحه الله إياه في سبيل خير الجميع, ويدخر عطايا الله, ويسعي في استثمارها يوميا, ويبذل الذات ويضحي من أجل الصالح العام, لذلك يجب علينا ألا نقف مكتوفي الأيدي أمام العراقيل والصعوبات التي تعترض قيامنا بالواجب,لأن الله وهبنا العقل والإرادة والعزيمة التي تساعدنا علي النهوض مرة أخري لنقدم أفضل ما في وسعنا,كل هذا يجعلنا ننال بركة من الله الذي يعطي كل واحد حسب أعماله وتعبه وتضحيته,كما أننا سنحصل علي حب الآخرين واحترامهم.
خلاف ذلك ستنقلب حياتنا إلي غم وهم وعدم الرضا بكل ما نملك أو نعمل.
نختم بكلمات الأديب اللبناني جبران خليل جبران: إن كنت متضجرا ملولا, فالأجدر بك أن تترك عملك لأنك إذا خبزت خبزا وأنت لا تجد لك لذة في عملك, فإنما أنت تخبز علقما….وإذا تذمرت وأنت تعصر عنبك فإن تذمرك يدس لك سما في هذا العصير, وإن أنشدت أناشيد الملائكة ولم تحب أن تكون منشدا فإنما تصم آذانك الناس بأنغامك.