الله يعزينا ويعضدنا بهذه الكلمات:أتنسي المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها؟ حتي ولو نسيت النساء فأنا لا أنساك(إشعياء49:15).
هناك عدد غفير من البشر يقع في اليأس وفقدان الأمل, نتيجة الظروف المختلفة التي تحل علي العالم أجمع من أعباء الحياة المتنوعة وغلاء المعيشة, وفقدان أشخاص أعزاء, وخيانة بعض الأصدقاء والأقارب,وعدم نوال ما يتمناه المرء سواء في العمل أو الأسرة, وغير ذلك.
هنا تحضرني هذه الواقعة المهمة عندما دعي أستاذ من علماء النفس من إحدي الجامعات ليلقي محاضرة لمجموعة من رجال الأعمال وكان موضوعها:الاكتئاب.
فبدأ عالم النفس محاضرته بتعليق لوحة بيضاء كبيرة جدا, ثم نقش عليها دائرة سوداء صغيرة الحجم, بعدها قام بسؤال أحد الحاضرين قائلا:ماذا تري أمامك؟ أجابه الرجل للتو وبدون تفكير:أري دائرة سوداء, وكرر المحاضر نفس السؤال مرة أخري علي جميع الحاضرين, فكانت الإجابة بالإجماع هي أنهم يرون دائرة سوداء أيضا.
فاستمر عالم النفس في حديثه بكل هدوء وسلام قائلا لهم:حقا توجد دائرة سوداء صغيرة,لكن لم ير أحد منكم المساحة البيضاء الشاسعة,وهذا هو كل ماكنت أنوي قوله لكم اليوم, كما أنني لا أملك كلمات أخري أضيفها لكم, وهكذا أختم محاضرة اليوم.
هذا واقع حال الغالبية العظمي من الناس, كثيرون هم الذين ينظرون للحياة والظروف التي يمرون بها بنفس النظرة السلبية, لكن من يرغب في التخلص من اليأس والاكتئاب والتشاؤم يجب عليه أن يضع تركيزه واهتمامه في المساحة البيضاء الشاسعة التي لا حدود لها, حتي يتشجع لقبول ظروف الحياة ويشكر الله عليها.
إن التحلي بالأمل أمر صعب جدا وبعض الذين يملكونه لا يصرحون به علانية, بينما نجد اليأس يسيطر علي الغالبية العظمي ولأتفه الأسباب, ولايفرق بين غني وفقير , مثقف أو غير مثقف, كبير أو صغير, مما لاشك فيه أن الله خلقنا جميعا ليس بهدف إهمالنا أو تركنا نتخبط مع أمواج الحياة العاتية, أو لكي نغرق في بحر الظلمات, لكن الله أب رحيم, لاينسي أي شخص من خليقته, لذلك يجب أن نثق جميعا بأن كل مايحدث في حياتنا من ضيقات وصعوبات وآلام, هي لخيرنا الأعظم ولبنيان شخصيتنا.
إن الألم هو معلم, ولن يعرف الإنسان حقيقة ذاته,إلا إذا مر بتجربة الألم والمرض والضيق.
هنا يظهر معدن الإنسان, فالإنسان القوي والواثق بالله, يتحمل صعوبات الحياة لأنها تزيده قيمة ونفعا, ولكن الشخص الضعيف يتشكي من كل مايحدث معه أو يعترض طريقه, وهنا يظهر ضعف وقلة إيمانه بحب الله الساهر علينا دائما أبدا.
فإذا كان الله, رب السماء والأرض هو أبينا الحنون, فما الذي يخيفنا أو ينغص حياتنا؟لذلك يقول داود النبي:معونتي من عند الرب خالق السماء والأرض(مزمور120:2).
إذا يجب أن نضع أنفسنا بين يدي الله خالقنا, مهما كانت ظروف الحياة والضخور التي تعترض طريقنا.
إن الحياة تتعثر ولكنها لا تتوقف, والأمل يضحمل ولكنه لا يموت,لأن أطول يوم كأقصر يوم, له نهاية إذا…يجب علينا ألا نملأ النفس مرارة ونكتسيها بالنحيب, بل نساعدنا حتي تعيد شبابها وحيويتها ونضارتها, ونستطيع بكل عزيمة وإصرار أن نثق بأننا لن نهرم أبدا بفضل الله تعالي أولا, ثم الاعتماد علي النور الموجود بداخلنا الذي يوجهنا ويرشدنا إلي الطريق الصحيح, وطالما نعيش بالأمل, ستظل نفوسنا شابة, ولكن عندما تنطفئ شعلة الأمل, ستصل نفوسنا إلي الكهولة بأقصي سرعة.
إذا يجب أن نعي جيدا بأن الصعوبات والضيقات التي تقابلنا في الحياة, توحي لنا بأننا ضعفاء ونحتاج إلي الغير وتظهر أهمية الرباط الأخوي والإنساني بين جميع البشر, وأن نهتم باحتياجات الآخرين, كما أنها تكشف للإنسان قدرة الله اللامتناهية ومحدودية العالم الذي نعيش فيه, وأن نضع ثقتنا الكاملة في الله.
أيضا تمنحنا درسا مهما في حياتنا, وهو أن الزمن متقلب, لذا يجب أن نعيد أولوياتنا في الحياة.
فإذا جعلنا همومنا حسب إرادة الله, ووضعنا فيه ثقتنا وآمنا بأبوته, وتحلينا بالصبر شاكرين له حبه لنا, سنكتشف فيما بعد أن كل ما احتملناه لايقارن بما هيأه الله لنا من سعادة وراحة ومكافأة, لذلك يجب أن نطرح عند قدميه جميع همومنا وأثقالنا ومتاعبنا حتي يرفعنا فوق ضباب الحياة ويحلق بنا في آفاق الخلود الصافية, ونستريح هانئين بين يديه.
ونختم بالقول المأثور:إذا حل الظلام,أمكنك رؤية النجوم.