يقول داود النبي في المزمور:علمنا يارب أن نحصي أيامنا, فتبلغ الحكمة قلوبنا(مز89:12) هل نعطي قيمة للوقت أم نهدره دون معني أو رسالة؟ للأسف, هناك العديد من الأشخاص الذين يسعون بكل طاقاتهم قتل الوقت, سواء باللهو أو العبث والأمور السطحية, حتي أصبح كل هذا بالنسبة لهم من صميم الحياة, ويصبح العمل الجاد علي هامشها, وحجتهم في ذلك أن الحياة مازالت طويلة أمامهم.
تخيل أن أحد البنوك وضع تحت تصرفك كل يوم مبلغ86400 جنيه, هو مصروفك اليومي بشرط أن تستطيع إنفاق كل المبلغ في اليوم نفسه, وإلا عاد المتبقي إلي خزانة البنك, فماذا ستفعل؟ بلاشك ستخترع الطرق التي تستطيع بها إنفاق هذا المبلغ قبل أن يحل المساء, هذا البنك موجود في حياتنا بالفعل ونحن أول عملائه اسمهالوقت وهو يضع تحت تصرفنا كل يوم86400 ثانية, وتعتبر كل ثانية ضائعة إذا لم نستفد منها في حينها, ولا يسمح لنا بادخارها إلي الغد.
إذا…لماذا لا نعمل بكل جهدنا وطاقتنا لاستغلالها والاستفادة منها كلها, من أجل خيرنا الأعظم وسعادة الآخرين؟ كل لحظة من يومنا هي فرصة جديدة, وكل فجر جديد يهل علينا بأنواره هو نعمة حياة تغمر كياننا, وميلاد عزم جديد لتحقيق شخصيتنا, ومغامرة فريدة في المجتمع لإثراء خبرتنا وفرصة سانحة لاستكمال نضوجنا, ولبنة جديدة في صرح شخصيتنا,ما أكثر الشباب والطلبة الموهوبين الذين يبشرون بمستقبل باهر ولعائلاتهم ولأنفسهم,ولما يتحلون به من ذكاء وهبات, ويسعي والداهم ومعلموهم إلي توفير جميع الفرص والإمكانيات,لتساعدهم علي استغلال هذه النعم واستثمارها,لكن نتيجة سوء استعمالهم للوقت وإهداره, يطفئ ذكاؤهم ومواهبهم, ويصيرون عاجزين عن تقديم أي شيء مفيد للمجمع أكبر خطأ نرتكبه تجاه الوقت, هو أن نكون غائبين عنه, في حين أن الوقت حاضر في كل لحظة.
لنتخيل أن الضيف موجود بمنزلنا, ولكن نحن خارج المنزل, فالوقت حاضر دائما ولكن للأسف مازلنا نحن تائهين في الخارج, غير مدركين بشيء, ونصبح خارجين عن ذواتنا ووعينا.
مما لا شك فيه أن خطوة واحدة في توقيتها المناسب اليوم, توفر علينا الكثير من المعاناة في المستقبل.
إن الوقت معين ثري بالفوائد, وخير وسيلة لتأمين مستقبل باهر باستغلال مواهبنا. وكما يقول الشعب الإنجليزي:الوقت من ذهب لأنه يعود علينا بنعم لا حد لها, فكم من المعرفة والثقافة والمعلومات يمكننا الحصول عليها, إذا عرفنا أن نحسن استعمال أوقات الفراغ.
إن الدقائق التي تسخرها العناية الإلهية, لنتدبر فيها أمور مستقبلنا, لكن إذا قتلناها أو أضعناها اليوم باللهو والتفاهات,فهي لاتموت ولا تفني, بل تعود إلينا في المستقبل فارغة وخاوية, حتي أننا نشعر بالمل والضجر من الحياة كما تسبب لنا تأنيب الضمير علي ما فاتنا وضياع مواهبنا التي منحنا إياها الله, لخير أنفسنا وعائلاتنا ومجتمعنا.
تقول الحكمة القديمة:احفظ اليوم, لأن الأمس ما هو إلا حلم, والغد رؤيا فقط.
لكن اليوم إذا قضيناه كما يجب سيجعل من كل أمس حلما للسعادة ومن كل غد رؤيا أمل ورجاء, إذا حافظ علي اليوم جيدا.
مما لاشك فيه, أن الغالبية العظمي منا تعودت علي فقدان اليوم من بين يديها, أو إهداره, أو تقضيه وهي متطلعة للمستقبل, أو كلها حنين للماضي,لكننا جميعا مدعوون أن نستغل كل لحظة طوال اليوم الذي نعيشه, لنجني ثماره الدفينة وقوته الخفية وفائدته الأكيدة.
إن التطلع للمستقبل دون الاهتمام بالحاضر, يولد عدم رضا وخيبة أمل,لأن المستقبل الحقيقي ينمو من اليوم ومما زرعناه في الحاضر.
كما أن الحنين للماضي يولد كسلا وخمولا وإحباطا وحسرة, علاوة علي ذلك لا نقدر قيمة الحاضر, ونحياه بطريقة سطحية.
ونشغل وقتنا بأمور لاجدوي منها, فالوقت حاضر ولكننا غائبون عنه, لأن الوقت لايحمل لنا أشياء, بل حضور, لذلك يجب علينا أن نعي جيدا بأن كل دقيقة هي بداية لساعة جديدة, وفرصة ذهبية ومرحلة حاسمة, لكي نبدأ من جديد بالقول والعمل والفكر, حتي نصبح أفضل مما سبق إذا اليوم الجديد هو حياة جديدة, ويحمل معه ثمار الغد.إذا كان الوقت هو حضور فكل لحظة مليئة بحضور الله في حياتنا حضور متجدد لذلك يجب علينا أن نستغل الوقت.
ونختم بقول أحد الحكماء:إذا ما مضي يوم ولن أكتسب أدبا, ولم أستفد علما, فما ذاك من عمري.