يعلمنا السيد المسيح هكذا:لا تدينوا لئلا تدانوا,ويكال لكم بما تكيلون(متي7:1-2).
إنها آفة العصر:التطاول, من يتصفح ويتابع وسائل التواصل الاجتماعي, يشعر بمرارة وحرقة لما يجده من تطاول وإهانة لرموز كثيرة.
فهناك جماعة أو فئة من السطحيين وأصحاب الذكاء المحدود, الذين لا تتسع عقولهم إلي استيعاب أكثر من اتطاول علي الغير, والابتذال في الكلام ضد الجميع سواء الذين يقومون بأعمال حسنة أم لا .
كما أنهم يتبادلون فيما بينهم الإساءة والتجريح للغير, وإن وجدوا فضائح لأشخاص يسرعون إلي فضحها ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي, ويعتبرون هذا ما يمنحهم بعض العزاء ويحذر تأنيب ضمائرهم, ويتلمس لهم العذر أمام المجتمع لما يفعلونه من مصائب وفضائح في حياتهم اليومية.
كل هذا يذكرنا بالقصة التي تحكي لنا أن سيدا متسلطا يظلم الناس ولايحترم غيره, أمر أحد عبيده بأن يزرع الحقل الذي يمتلكه بشجر التفاح,ولكنه ذهب فزرعه بالبطاطس, وعندما حضر ذلك السيد في وقت الحصاد رأي البطاطس تملأ الحقل,فسأله:ألم آمرك بأن تزرع شجر التفاح في هذه الأرض, فلماذا إذا زرعت البطاطس؟ فأجابه:ياسيد لقد زرعت البطاطس, علي أمل أن أحصد شجر التفاح! فقال له سيده:أنت مجنون وأحمق! هل سمعت طوال حياتك شيئا من هذا القبيل؟ فأجابه:نعم ياسيدي.
فأنت نفسك تزرع دائما بذور الشر في كل مكان وزمان, ومع ذلك تنتظر بكل أمل أن تحصد ثمار الخير والفضائل في هذه الدنيا والحياة الأبدية,فذلك اعتقدت أنا أيضا في جني التفاح نتيجة لزراعتي البطاطس! فخجل سيده للتو من هذا الجواب القاطع, حتي أنه أمر بإطلاق سراحه في الحال ليعود لأسرته, كم من أمثال هذا السيد الذين يقومون بإهانة الكبير والصغير, القوي والضعيف, الصالح والطالح, حتي أن كثيرين ينساقون وراءهم بتعليقاتهم الجارحة ومجاملاتهم التي لا معني لها؟وما أكثر هؤلاء الذين يختلقون الفضائح علي وسائل التواصل الاجتماعي, إن أعيتهم الحيلة في العثور عليها في عالم الواقع؟كم من تعليقات وكتابات تخوض في شتي الأحاديث التافهة, فلا هي تنضب, ولا هم منها يشبعون, ولا هدف منها سوي انتقاد هذا والسخرية من ذاك؟ ويعود السبب في ذلك هو أن الإنسان الضعيف والفاشل المجرد من الأخلاق, يذم كل فضيلة, لأنه عاجز عن اكتسابها أو القيام بعمل الخير,فيلجأ إلي حيلة مخجلة وهي ذم أهل الفضل أو السخرية منهم, علي أمل أن يتراجعوا عن سلوكهم الحسن ويصبحون مثله, وفي ذات الوقت يجد التعزية عن تقصيره, وكما نقرأ في القول المأثور:الإشاعة…يؤلفها الحاقد,وينشرها الأحمق, ويصدقها الجاهل.
لكن يجب علينا ألا نعطي أهمية أو اهتماما لما يقولونه, أي يجب ألا نعيرهم انتباها, فالشخص الواثق من أعماله الحسنة, لايهتم إلا بإرضاء ضميره, والتمسك بما يمليه عليه الواجب, لأن الله يعلم ما بداخل الإنسان.
نعلم جيدا بأن هناك أشخاصا حكماء يتمنون لنا بالخير,ولكنهم في بعض الأحيان يوجهون لنا بعض الانتقادات والملاحظات,فلا نتضايق منهم ولا نأخذ موقفا تجاههم, بل نسعي لإصلاح أنفسنا, ولكن الحاقدين الذين يضيعون وقتهم في التجريح والسخرية من الجميع, فلا نعيرهم انتباها, بل نتركهم للزمن لأنه كفيل بهم وسيسقط حتما القناع الكاذب الذي يرتدونه, حتي أنهم سيتعرون أمام المخدوعين فيهم, ولا ننسي قول السيد المسيح:الويل لكم إذا مدحكم جميع الناس (لوقا6:26) مما لا شك فيه أن المديح الصادق الذي نفتخر به, يأتينا من أهل الفضل والنفوس الشريفة فهم يمدحوننا لخير أتيناه حقا بهدف تشجيعنا علي الاستمرار فيه,كما أننا نصطدم في حياتنا بأشخاص يكيلون بمكيالين:واحدا لأنفسهم والثاني للآخرين, ويعتبرون كل ما يفعلونه هو حسن, ولكن إن صدر نفس الشيء من غيرهم فهو شر, فهذا دليل علي قلب فاسد ونفس ضعيفة, وهؤلاء مثل الحية التي لا تستطيع أن تحتفظ بشرها وسمها,فتلدغ من تصادفه لتفرغ فيه هذا السم, وكثيرا ما يكون أمثال هؤلاء كاذبين في نقل الكلام,وهدفهم الأول والأخير تشويه صورة الآخرين وزرع الخصام والحقد بين الناس, والتفريق بين القلوب المحبة, وهؤلاء لا هدف لهم في الحياة غير التجوال هنا وهناك والثرثرة من غير طائل, وهذا دليل علي فقرهم النفساني وإفلاسهم الأخلاقي.
ونختم بقول أحد المفكرين في هؤلاء:إن يعلموا الخير أخفوه, وإن علموا شرا أذاعوه, وإن لم يعلموا كذبوا.