** مازالت تؤلمني قصة صديقنا هاني الذي اغتاله فيروس كورونا الشرس داخل غرفة العناية بمستشفي حميات إمبابة في اليوم الأخير من شهر مارس الماضي قبل أن يكتمل عامه الستين بأيام, بعد ثلاثة أيام فقط قضاها وحيدا لا أحد يعرف ماذا حدث معه, ولا كيف مضت به الساعات الأخيرة..
ربما هذا أصعب ما في كورونا أنه يغتال الأحباء دون وداع ويأخذنا إلي أبشع تراجيديا عرفتها الإنسانية بعد أن صار الموت هو عنوان هذا الزمان ونحن نتابع بقلوب دامية رحيل الأحباء وأحد وراء الآخر.. الأصعب مع صديقنا الراحل الألم الغائر والحزن العميق الذي تركه في قلب ابنته الوحيدة كريستين.. كان هو كل حياتها.. الأب والأخ والسند.. وكانت هي كل حياته.. الحب والأمل والمستقبل.
** جاءني في صوتها مختنقا وسط دموعها التي لا تتوقف.. كلما تحدثت إليها أشعر بحرارة دموعها فوق شاشة المحمول.. كلماتها المتقطعة تعاتب القدر الذي حرمها من أغلي مافي حياتها.. حتي عندما ذهبت إلي المستشفي لتلقي نظرة الوداع حرموها منها وبقسوة.. صدمتها غلاظة البشر وهي لا تدري أنهم معذورون عندما يجرد الوباء الإنسان من إنسانيته حفاظا علي سلامتها وسلامة الآخرين..
لم أكن في حاجة لتحكي لي كل التفاصيل.. يكفي أنني توقفت عند قولها في المستشفي أنهوا كل الإجراءات بسرعة.. استغربت من هذا, لكن عرفت أن هذا ليس حبا فينا, ولكن ليتخلصوا من الجثة, وهم لا يعرفون أنها جثة أغلي الرجال.
** إلي هنا أنهيت حديثي مع الابنة المكلومة, وأنا أحاول أن أخرج بها من بشاعة الحدث وقسوة الصدمة.. قلت لها: اهدئي با ابنتي.. من الآن أنت ابنتنا جميعا.. أنا وكل أصدقائنا صناع الخير سند لك من بعد والدك.. بعدها جلست أفكر ماذا يمكن أن نقدمه لها من بعد والدها الذي كان لها السند بل الحياة نفسها.
** لم أفكر كثيرا فالابنة كريستين تخرجت العام الماضي ـ يونية 2020 ـ بكلية الألسن جامعة عين شمس قسم لغة إسبانية بتقدير جيد جدا, وتجيد أيضا الإنجليزية, وهي مثال للفتاة العصامية إذ عملت خلال سنوات دراستها سكرتيرة في واحد من أكبر مكاتب المهندسين المعماريين (كون دراستها الثانوية علمي ـ رياضة وحصلت علي الثانوية العامة بمجموع 89%) فاكتسبت الكثير من الخبرات وتسلحت بالالتزام والمسئولية, فضلا عما تتمتع به من حزمة مهارات في سرعة التعليم الذاتي والعمل بروح الفريق.
يشهد بهذا مجموعة المكافآت والإنجازات التي حصدتها كقائدة لمجموعة طلابية لترجمة فيلم من الإنسبانية إلي العربية عام 2019, ومقدم رئيسي لسنوات في مشاريع قسم اللغة الإنجليزية, واشتراكها في دورات تدريبية بوزارة الإعلام والهيئة العامة للاستعلامات..
ومع ذلك فمنذ تخرجها لم تجد عملا يعوضها قسوة الأيام التي زاد من قسوتها رحيل الأب الذي رحل دون وداع فتملكها القلق والخوف والإحباط وخليط من المشاعر السلبية التهمت حماسها للحياة.
** لم أفكر كثيرا وقلت لنفسي لتكن دعوتي إلي كل الأصدقاء من رجال الأعمال وأصحاب المكاتب والشركات وكل من يتراءي له فرصة عمل للابنة الشابة المجتهدة تنزع عنها فتيل القلق علي المستقبل..
تعالوا ياكل الأصدقاء نعيد البسمة للابنة التي فقدت مع رحيل الأب حلم حياتها في مستقبل مشرق, وليكن كل واحد منا أبا لها.. في انتظار تواصلكم معنا عبر الواتس آب علي التليفون 01223123394) أو علي البريد الإل=كتروني [email protected]