يرنم داود النبي هكذا: هذا هو اليوم الذي صنعه الرب, فلنبتهج فيه ولنتهلل (مز 117:24).
هذا هو يوم الرب الذي يتميز عن باقي الأيام, فيه انتصر السيد المسيح علي الموت, وبنوره بدد الظلام, ومنحنا الرجاء, وفيه أشرق علينا بصباح جديد لننسي قسوة الليل الطويل, وأثبت لنا أن الموت ليس نهاية كل شيء, ولكنه بداية الحياة الأبدية, والتي فيها نحيا مع الله في سعادة وسرور لا نهاية لهما.
وإذا كانت حياة الإنسان علي الأرض تنتهي في القبر, لكن السيد المسيح بقيامته جعله بداية الحياة الحقة.
مما لا شك فيه أن الكثيرين فقدوا أناسا أعزاء عليهم, بسبب جائحة كورونا أو لأسباب أخري, ولكن اليوم نعتبر أن هذا ليس المنتهي, بل بداية فجر جديد يحمل الرجاء والإيمان لحياة جديدة.
كل هذا أدركه القديسون الذي تركوا ملذات العالم وشهواته, وتطلعوا إلي الحياة الأبدية, فكانوا يحيون لله ومع الله وفي الله.
لذلك يجب أن نعلم جيدا بأن قيامة السيد المسيح من الموت, هي مصدر سعادتنا وفرحنا, كما أنها تمنحنا رجاء فريدا, يجب علينا ألا نقارنه بالأمل الوقتي, الذي به نطلب أشياء مادية أو نجاحا في موقف بعينه, أو نتمني الحصول علي المزيد من المال والصحة والجمال.
فقيامة السيد المسيح تحملنا علي الرجاء الحقيقي لحياة أفضل سواء في هذه الدنيا أو الحياة الأبدية, لأنه يساعدنا علي تغيير نظرتنا للواقع اليومي, إلي ما هو أسمي وأفضل.
لنرفع راية الرجاء والأمل في عيد القيامة المجيد, وعدم الاستسلام للواقع المؤلم والمظلم, حتي نسترد طاقتنا وقوتنا في هذه الأيام, لنعود إلي حياتنا اليومية بصورة أفضل وخبرة جديدة, إن السيد المسيح بقيامته من بين الأموات خلق يوما جديدا مشرقا, ومما لا شك فيه أنه يختلف عن الأيام التي نصنعها بأيدينا.
كم من الأشخاص الذين يخترعون أياما قاتمة تحمل الخيانة والهروب والنكران والحقد والتدمير والقتل؟! لكن اليوم الذي صنعه الرب, يوما جديدا, يوم ميلاد الخليقة الجديدة, فإذا كان الإنسان صنع أياما مظلمة نتيجة ما يفعله من شر نحو الآخرين, فالله يمنحنا أيام النور التي تبدد ظلام البشر, إذا كان الإنسان يبتكر في الطرق التي تؤدي للموت, بشتي الوسائل المدمرة, فالله يهبنا الحياة التي لا تنتهي أبدا, ولا يستطيع أي إنسان أن ينزعها منا.
وإذا كان الإنسان يفسد الخليقة نتيجة أنانيته وطمعه, فالله يصلح كل شيء في حياتنا, وإذا كان الإنسان يبتكر وسائل البغض والكراهية والتفرقة بين البشر, فالله يمنحنا الحب الحقيقي المبني علي التضحية, ويهبنا الغفران بلا حدود.
لذلك يجب علينا في عيد القيامة المجيد, أن نهدم جميع أنفاق العالم المبنية علي الحقد والظلم والكراهية, ونبني مكانها جسور المحبة والسلام, النور والمساواة بين الجميع.
لأن القيامة بالنسبة لنا هي العبور من الجسد الأرضي المائت إلي اللقاء السماوي الأبدي.
فنور القيامة لن يعقبه ظلام الليل, لأنه لن يزول, كما أن ضياءه لن يتلاشي أبدا, وسلام هذا اليوم حقيقي, ليس كسلام العالم المزيف وراحته أبدية لأنها إكليل الشقاء الأرضي.
من منا يستطيع أن يري النور الحقيقي داخل النفق المظلم في حياتنا؟ إذا آلام هذه الحياة هي تذكرة عبور للحياة الأبدية.
وقيامة السيد المسيح تمنحنا قوة الإيمان والرجاء, حتي نستطيع أن نلمس بأيدينا, ما هو الأفضل لحياتنا, وتعطينا الثقة الدائمة في أن آلامنا وأتعابنا, ليست نهاية المطاف, ولكنها ستنتهي فيما بعد, ونحيا في عالم أفضل لأن الإنسان الذي يضحي في هذه الدنيا, سينال العزاء عن كل ما قام به, وسينعم بالفرح الدائم الذي لن يستطيع أحد أن ينزعه منه.
إذا فرح القيامة يساعدنا علي إزاحة الحجر الثقيل الذي يغلق باب رجائنا, ثم نخرج للنور الدائم الذي يضيء حياتنا, ويمنحنا الثقة في وجود الله الدائم في حياتنا.
إذا القيامة تمنحنا كل ما هو جميل وجديد ومشرق, لذا يجب أن نفرح ونتهلل دائما, مهما كانت ظروف الحياة الوقتية, فإذا تحلينا بالرجاء وفتحنا قلوبنا لله, سنحيا في سعادة دائمة, ولكن إذا استسلمنا للظروف والضغوط التي تحيط بنا, لن نشعر بوجود الله مصدر النعم والعطايا والفرح.
لذلك يجب علينا أن نرفع الحجر الذي يغلق عقولنا وقلوبنا, لكي نحيا القيامة بروح جديدة. المسيح قام حقا قام. كل عام وجميعنا بخير وسلام وبركة.