يقول داود النبي في المزمور:علمنا يارب أن نحصي أيامنا فتبلغ الحكمة قلوبنا(مزمور 89:12).
مما لاشك فيه أن الموت يطل علي الإنسان في أي لحظة ولكل شخص دون تمييز, نحن نسمع ونقرأ ونشاهد مئات الآلاف الذين يموتون كل يوم, فما يمنع أن نكون من جملتهم غدا أو بعد غد؟ليس الهدف من هذه الأفكار أن تقلقنا أو تخيفنا, بل لتذكرنا بأن هذه اللحظة حتمية,لذا يجب علينا أن نحسن استثمارها من أجل الخير, وأن نعيش هذه الحياة دون أن نتجاهل الآخرة.
اشتهرت بلاد الصين بزراعة الأرز واستهلاكه, لأنه المادة الغذائية الأهم عندهم, فهو كالخبز بالنسبة لنا فإذا أرادوا أن يستفسروا عن صحة أي شخص,لا يسألونه:كيف حالك؟ بل يقولون له:هل أكلت أرزك؟ وذات يوم سأل أحد السائحين شابا صينيا:لماذا خلقنا الله؟ فأجاب:حتي نأكل الأرز! .
كم عدد هؤلاء الذين يشبهون هذا الصيني,لايفهمون للحياة هدفا غير الأكل والشرب,فيحصرون همهم في توفيرهما فقط, دون السعي وراء أي هدف آخر! من العجيب أننا نتحدث عن موت الآخرين, ولكن نتجنب بكل الطرق التفكير في ساعة موتنا, ولكن هذه اللحظة التي نتجاهلها أو نعتبرها بعيدة المنال, من الممكن أن تكون أقرب مما نتخيل, لكن الحكيم هو الذي يفكر دائما في ساعة النهاية لأنها تمنحه درسا مهما في هذه الحياة ومعناها والهدف منها.
وكما نقرأ في سفر يشوع بن سيراخفي جميع أعمالك اذكر أواخرك فلن تخطأ أبدا(7:36) فالإنسان علي الأرض,لا ليكتفي بالأكل والشرب فقط, ولكنه في هذه الحياة ليعيش بروحه وقلبه ويقدم أفضل ما عنده من أجل خير الآخرين,ثم ينال عنه ما يستحق من الله.
كم من البشر الذين يفنون العمر في الركض وراء أباطيل الحياة غير مهتمين بالله الذي خلقهم ليعبدوه, وأحبهم مانحا إياهم بركاته ونعمه كما أنهم لايكثرثون بالإنسان الذي جعله الله علي طريقهم ليحبوه ويعطفوا عليه, ويستغنون عن الله بمشاغل الدنيا, وتقسوا قلوبهم علي الناس ومتي جاءت ساعة الموت,تنتفتح عيونهم, ويكتشفون أنهم كانوا في وهم, ولكن بعد فوات الأوان, ويدركون أنهم كانوا علي ضلال كانوا يعلمون الإنسان في الماضي أن يطلب من الله أن يمنحه موتا صالحا, أما اليوم جميعنا يتجنب الحديث عن الموت سواء من بعيد أو قريب, وأصبح الموت ونهاية الإنسان رعبا يطارده.
لكن يجب علي كل واحد منا أن يري في الموت نهاية للشقاء الأرضي, وسعادة وراحة أبدية ومكافأة لأعمالنا الحسنة, وبداية حياة أفضل ورجاء اللقاء وحضور الله الذي يعيد لنا المحبة المفقودة علي هذه الأرض.
الأبرار والقديسون والصالحون فقط هم الذين ينظرون إلي الموت نظرة الحب والإيمان والحنين,كما أنهم ينتظرون هذه اللحظة في كل حين.
ويحثنا السيد المسيح قائلا:ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟وماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه؟(متي16:26) ولذلك يجب أن نعرف جيدا أن الله خلقنا لكي نعرفه ونحبه ونمجده بحياتنا وبأعمالنا الحسنة, وأن لنا نفسا يجب أن نعمل علي تقديسها وخلاصها.
ولن نتوصل إلي شيء من هذا إلا وضعنا أمام عيوننا كل يوم أننا راحلون وأننا لن نأخذ معنا سوي ما علمناه من صلاح ليس المطلوب منا أن نزهد في الحياة وخيراتها بل أن نحسن استعمالها بحيث تعود بالنفع علينا وعلي الآخرين, لكن يحرم التعبد لها إلي درجة ينسي معها الإنسان الله الذي خلقه, وغاية وجوده علي الأرض.
وكما يقول المثل:إن حزنا في ساعة الموت, أضعاف سرور في طيلة الأعوام.
لذلك إذا لازمتنا فكرة الموت,لما خسرنا شيئا لأنها من شأنها أن تجعلنا نسعي للخير, وننتبه عند استعمال الوقت, ونتحاشي مايهين الله, ونتجرد عن الأرض وأباطيلها حتي لا نصبح عبيدا للماديات والمال.
وإذا لا ننسي أن رحلتنا في هذه الدنيا قصيرة جدا مهما طالت, والحكيم من يعرف كيف يقضيها في أعمال الخير والبر ومخافة الله, لأنه خلقنا ليس لكي نحصر اهتمامنا في الأرض فقط, إذ لسنا إلا مسافرين نحو الأبدية بل خلقنا قبل كل شيء لنحبه ونحسن خدمته في الآخرين,فنفوز بالحياة الخالدة,ونختم بالقول المأثور:اعمل لدنياك كما لو كنت تعيش مخلدا واعمل لآخرتك كما لو كنت تموت غدا!.