منذ ما يزيد علي عشرين عاما انتابتني غيرة شديدة منطفلة لاتتعدي ال١٢ من عمرها قادمة من البرازيل ضيفة علينا مع والدها وهو احد اقاربنا المهاجر من زمن …ومنضمن اسئلتنا التقليديه للاطفال – وان كانت معظمها تكون مملة بالنسبة لهم – سألتها مداعبة: ” نفسك لما تكبري تكوني ايه؟” …وجاءت اجابتها الصادمة بالنسبة لي اذ جاءت علي الوجع حين قالت: “عايزة اطلع قاضية”..فبحقلت فيها محاولة التأكد مما سمعت..فقالت “نعم اتمني اكون قاضية”
فشردت بذهني بعيدا اتأمل أقرانها من بنات بلدي فلا احد منهن كان يستطيع مجرد تمني ذلك لان امنيات الاطفال ترتبط بما يشاهدونه في الواقع من شخصيات يعتبرونهم مثلا اعلي ..ووقتها لم تكن في مصر قاضيات وكان اقصي حلم للبنت المصرية أن تصبح وزيرة وطبعا اما وزيرة للبيئةاو للشئون الاجتماعية!! …في ذلك الوقت لم يكن الاعلاميلمع الا لاعبي الكرة والراقصات!!! فكانت تلك من ضمن امنيات الاولاد والبنات في مصر!!
ولكن كان الكفاح من اجل وصول المراة المصرية الي منصب القضاء قائما ومشتعلا وشاغلا للمؤتمرات ووورش العمل وحلقات المناقشة والندوات وكنت اشارك فيها واكتب عنهاومنشغلة بتلك القضية جدا …وكانت الحجج الواهية التي يزج بها لمنع المراة أن تكون قاضية يتم تفنيدها والرد عليها.
وان كانت المستشارة تهاني الجبالي اول امراة قاضية في مصر وكانت هي الوحيدة وتم تعينها في ٢٠٠٤ واحتلت منصبا رفيعا كنائبة لرئيس المحكمة الدستورية العليا..الأن تم كسر الحاجز في ٢٠٠٧ وتم تعيين ٣٠ قاضية لأول مرة في مصر….وظل تعيين المرأة كقاضية شحيحا مقارنة بالرجال و ظلت الشوكة في حلق المراة المصرية عندما اجتمعت الجمعية العمومية لمجلس الدولة بجلالة قدرها في عام ٢٠٠٩ في اجتماع طارئ ليرفض تعيبن المرأة في مجلس الدولة وعندما استشعرت الجمعية العمومية الحرج من الانتقادات الكثيرة من موقفها عقدت اجتماعا اخرانتهي بتعليق هذا الامر!!!!…والرسائل السلبية التى تحملها مثل هذه المواقف اعمق بكثير مما يتخيل البعض لان تغذي وجدان المجتمع بعبارة ” هي لاتصلح…”
واخيرا في يوم الاحتفال باليوم العالمي للمرأة في ٨ مارس الجاري اصدر رئيس الجمهوريه الرئيس عبد الفتاح السيسي توجيهاته للمستشار عمر مروان وزير العدل بالتنسيق مع رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس مجلس الدولة، للاستعانة بالمرأة في هاتين الجهتين تفعيلاً للاستحقاق الدستوري بالمساواة وعدم التمييز تفعيلاً كاملاً
وبالقطع حظي هذا التصريح الرئاسي بترحيب شديد من الدوائر المعنية بحقوق المراة وفي مقدمتها المجلس القومي للمرأة …وامتن المكافحون لاجل قضايا المراة زمنا طويلا للتوأمة بينهم وبين الارادة السياسية …سنوات طويلة من الكفاح لاجل حقوق المراة لم تضيع هباء وانما كانت بمثابة تقليب الارض وتنقيتها من الشوائب لتصبح مؤهلة للزرع وللاثمار وان كان الوقت طال
قد جاء اليوم التى تستطيع فيه الطفلة المصرية أن تتمني أن تصبح ماتتمناه بلا سقف ولا حواجز ولا عقبات وبقي أن تؤهل جيدا لاداوار غاية في الاهمية والخطورة….كل سنة وكل طفلة وشابة وامراة ناضجة ومسنة بكل خير.