أصبحت القراءة في نظر المدنية الحديثة لها نفس الأهمية الحيوية التي للمشي أو النظر أو الكلام. والذي يقرأ ويفهم في سرعة كبيرة, يمكنه أن ينهي من الأعمال أضعاف ما ينهيه القارئ العادي. والقراءة هي أساس التعلم بمعناه المعروف. فالشخص الذي يقرأ شخص نام وقادر علي استمرار النمو. فالقراءة مظهر مهم من مظاهر الشخصية, وهي عامل مهم من عوامل نموها, وبالإضافة إلي هذا, فالقراءة مفتاح أساسي من مفاتيح المعرفة أن لم يكن أهمها جميعا, تفتح أمام الإنسان آفاقا واسعة شاسعة.
وإذا كنا نعاني في مجتمعاتنا من ظاهرة انصراف الراشدين عن القراءة بوجه عام, وعن القراءة الجادة المنتجة بوجه خاص, وعن قراءة المواد العلمية بوجه أخص, فإن ذلك يرجع في معظم أسبابه إلي مرحلة الطفولة, التي لم يجد فيها أطفالنا راشدين يكونون قدوة لهم في الاهتمام بالقراءة واحترام الكتاب, ومد يد العون لهم في مراحل القراءة الأولي, ولم يجدوا فيها مكتبات قريبة وكثيرة ومفتوحة تجعل العثور علي الكتاب الذي يناسب اهتمام كل طفل أمرا يسيرا, ولم يجدوا الكتب المشوقة المناسبة في لغتها وموضوعاتها لمختلف الأعمار, بحيث تجعل القراءة عملية ممتعة محببة, وتصبح بالتالي عادة متأصلة, تصاحب الإنسان في مختلف مراحل عمره.
لهذا لابد أن تتضافر جهود المجتمع كله, ليس فقط لتوفير الكتب والمكتبات للأطفال, بل أيضا لتنبيه الراشدين إلي دورهم الأساسي في تكوين عادة القراءة المنتجة المفيدة لدي الأطفال. ولا شك أن الحرص علي أن تكون هناك مكتبات قريبة من الطفل, من أهم الوسائل التي تعاون علي تنمية حب القراءة لديه.
إن عرض الكتب أمام الأطفال بصفة دائمة, يخلق بينهم وبينها ألفة مستمرة ومودة متزايدة, مما يشجعهم علي القراءة, وعلي إنشاء مكتبات خاصة بهم في منازلهم وتجمعاتهم. كما أن وجود المكتبات قريبا من الأطفال, يجعل عملية حصولهم علي الكتب, سواء بالاستعارة الداخلية أو الخارجية, أمرا سهلا, سواء من ناحية التكلفة أو المشقة.
إن عددا كبيرا من الأطفال لا تسمح لهم إمكاناتهم المادية أن يقتنوا, لا هم ولا أسرهم, مجموعات الكتب المناسبة لأعمارهم والتي تتناول مختلف نواحي اهتمامات الطفل. ولن يجد الأطفال حلا لهذه العقبة إلا بوجود المكتبات العامة أو المدرسية قريبا منهم.
كذلك فإن كثيرا من الأطفال يعيشون في مدن صغيرة أو قري لا تصل إليها أية كتب, لا في مكتبات البيع ولا مع باعة الصحف الذين لا يوجدون إلا في المدن الكبيرة. وهؤلاء الأطفال بالتالي معزولون عن عملية التعرف المستمر علي الكتب, فهم محرومون من إمكانية الاختيار والاقتناء حتي لو أرادوا أو استطاعوا.
لذلك فإن المكتبات أصبحت من أهم وسائل التثقيف, والأمر يحتم الاهتمام بنشر مكتبات الأطفال علي أوسع نطاق, في كل حي وفي كل قرية, بل في كل شارع إذا أمكن.
إننا إذا فحصنا قائمة المواد الدراسية في أية مدرسة من المدارس, سنجد أن القراءة شيء لا غني عنه في كل فرقة, ابتداء من الصف الأول حتي الجامعة, وهي ضرورية كذلك في كل مادة دراسية ابتداء من مادة الحساب والرياضة, حتي علم الكيمياء أو الحيوان, كذلك تشكل القراءة بالنسبة للبالغين مهارة لا غني عنها في البيت أو الوظيفة, في دنيا التجارة أو عالم المهن أو الصناعات.
Email: [email protected]