** في كل لقاء اعتدنا أن نحدثكم عن صديق نصطحبه في رحلة جديدة للعلاج, وتخفيف الآلام, ومرات عديدة لإنقاذ حياة.. ولأننا نقدم في كل لقاء صديقا جديدا فقد بدا الأمر وكأن رحلاتنا مع المتألمين تنتهي عند هذا… لكن الحقيقة إن كان هذا يحدث مع البعض خاصة من يحتاجون إلي جراحات وتسكت آلامهم بمجرد خروجهم من أبواب المستشفيات ويعودون إلي الحياة يتحدثون عن لمسات الله وعمل الرب معهم, فإن البعض الآخر ـ وهم الأكثر ـ رحلاتنا معهم علي طريق تخفيف الآلام تستمر وتستمر ربما لسنوات لا يعلم مداها إلا الله ماداموا يحملون من الأمراض ولا يجد الطب لها إلا ما يخفف آلامها ويوقف مضاعفاتها أو كما يسمونها الأمراض المزمنة وعندما نقول هنا الأمراض المزمنة لا نقصد الضغط والسكر باعتبارهما الأكثر شيوعا لكننا نقصد ما هو أكثر قسوة وألما.
عن صديقتنا فيولا التي يسكن الروماتويد جسدها منذ كانت طفلة وهي الآن شابة في السابعة والثلاثين من عمرها عاشت منهما 11 عاما في رحلة متواصلة معنا, ومازلنا مستمرين.
** رحلاتنا مع فيولا بدأت في مايو 2010 يوم جاءت بصحبة والدها قادمين من بورسعيد يحملان ملفا ضخما مكدسا بتقارير طبية وتحاليل وأشعات وروشتات علاج كلها تجمع علي أن فيولا مصابة بروماتويد مفصلي طفولي.
ولأن نشاط المرض مستمر فأوراق الملف تحكي قصة طويلة من العذاب بين عيادات الأطباء وأروقة المستشفيات, وتنقلنا الأوراق عبر الأيام والشهور والسنين إلي أن وصلنا لتقرير استشاري أمراض الغدد بمستشفي أبو الريش شخص الحالة بدقة وكانت مظاهر الروماتويد قد بدأت تظهر عليها بوضوح, فالتكلس في مفصلي الفخذين, واعوجاج في مفصل الركبة, ويصعب عليها استعمال اليدين والكتفين.
** أخذنا نبحر مع التقارير الطبية وكلمات الأب المهموم الذي طاف بابنته علي كل المستشفيات مابين الإسكندرية حيث ولدت الابنة, وبورسعيد حيث تعيش الأسرة الآن, مرورا بمستشفيات القاهرة والزقازيق والإسماعيلية بحثا عن أي لمحة أمل في الوصول إلي العلاج الشافي, حتي عندما اقترح عليهما أحدهم الذهاب للعلاج بالرمال في واحة سيوة لم يترددا وقطعا مئات الكيلو مترات, وقضت فيولا أياما مطمورة في الرمال, التي نجحت في أن تقضي بالفعل علي الرشح في الركبة, وعادت من هناك تغمرها الفرحة والسعادة بعد أن تحررت من سجن المرض الذي كان يقيد جسدها, وأقبلت علي دراستها باجتهاد وإصرار إلي أن حصلت علي الثانوية العامة في عام 2020 بمدرسة بورسعيد الثانوية للبنات, وقادها مكتب التنسيق إلي معهد الكفاية الإنتاجية بالزقازيق.
يومها كانت صدمة قوية فوق عذابات المرض وكأن القدر يتربص بها بالمرصاد فكم هو صعب عليها أن تذهب من بورسعيد إلي الزقازيق يوميا وبالعكس, وهي لا تملك الحركة لأقصر المسافات, لكنها عادت وتقبلت الأمر بفرح وإيمان بأن كل الأشياء تعمل معا للخير.
وكانت يد الله معها فكللت جهادها بنجاح وتفوق, وكانت الأولي علي دفعتها بتقدير جيد جدا.. كانت كداود الذي لم تغرقه سيول الآلام والأحزان التي جاءت عليه وقال (مز 18ـ16) مد الرب يده من العلي وأمسكني وانتشلني من السيول الغامرة, وكان الرب سندي.
** مضيت أقلب في صفحات الملف.. المرض الشرس مازال يسجن جسدها, الروماتويد المبكر الذي هاجمها منذ طفولتها لا يريد أن يرحل..من هنا كانت بدايىة رحلتنا معها ..عن هذا سوف أحدثكم في لقائنا القادم.