طبيب مصري عاد به واقفا علي قدميه بعد ساعتين في حجرة العمليات
* بعد 6 سنوات من الآلام المتكررة انفجر الغضروف وأنقذته 3 عمليات في جراحة واحدة
* التقنيات العالية بحجرة العمليات ساعدت علي نجاح أكبر عملية بالعمود الفقري
* عندما حدثتكم في لقائنا الأخير عن الحماة التي اسغاثت بنا لإنقاذ زوج ابنتها الذي لم يعد قادرا علي الحركة أو حتي مجرد الوقوف علي قدميه, وصار طريح الفراش لأسابيع بعد أن كان يملأ الدنيا بحركته ونشاطه وسعيه وراء الرزق ليوفر لأولاده الصغار حياة هانئة.. لم أكن أتصور أن استغاثتها ستلمس علي الفور قلوب كل الأصدقاء الذين ارتفعت صلواتهم ووصلت إلي السماء بأسرع من كل التوقعات.. والأكثر أن الرب استجاب وعاد بيشوي يقف علي قدميه بعد 24 ساعة من الجراحة.. عاد بنا إلي زمن المعجزات..
ولكل من لا يصدق أن يد الرب معنا, وعينيه علينا, وأننا مازلنا نعيش معه كل يوم معجزة جديدة, أدعوكم إلي رحلتنا مع بيشوي لتروا حنو الرب وهو يحتضننا وسط آلامنا, وينتشلنا من أصعب لحظات حياتنا علي الأرض.
* بيشوي صديق جديد عرفناه منذ أسبوعين فقط.. لم تكن حالته تسمح أن أتحدث معه فمأساته واضحة في تقرير طبي كتبه طبيبه المعالج.. ولا أن أستقصي عن أحواله وظروفه كعادتنا مع كل الحالات المرضية التي نرعاها, فيكفينا أنه راقد علي السرير لا يتحرك.. ولا أن أطلب من كنيسته تقريرا ولا من أب اعترافه تزكية تطمئنا أن خدمتنا تصل لمن يستحقها كما فعلنا مع كل من جاء إلينا, فاطمئناننا عليه سبق طلباتنا وارتاح قلبي عندما طلبت صورة له فجاءتني صورة مع ابنيه كاراس وكيفين يتلمسان البركة في مزار الأم إيريني.
* جلست أفكر فيما أفعل مع بيشوي مرعوبا مما كتبه الطبيب انفجار في الغضروف, فكل معلوماتي أن جراحات الغضروف من أصعب الجراحات وبعض نتائجها غير مرضية..
حقيقي أننا خلال رحلاتنا مع أصدقائنا المرضي مررنا مع عدد من الحالات التي تعاني من الانزلاقات الغضروفية ومتاعب في الفقرات أو ضيق في القناة الشوكية, لكنها لم تكن تصل إلي درجة الاحتياج للتدخل الجراحي فيما عدا حالة صديقنا مخلوف خلف الذي جاءنا من أسيوط منذ ثماني سنوات يشكو من ضيق بالقناة الشوكية, واضطر الأطباء إلي التدخل الجراحي وكانت من أصعب الجراحات في هذا التخصص المحدود في فروع الطب, ويكفي أن أذكر أنها استغرقت 6 ساعات عشناها في قلق, فما بالنا أن نعيش اليوم مأساة صديق يواجه انفجارا في الغضروف.
* فيما كنت أفكر ماذا سنفعل لإنقاذ بيشوي تذكرت أنني تعرفت منذ فترة ليست ببعيدة علي طبيب يلمع اسمه في هذا التخصص, ويتحدثون عن نجاحات جراحاته.. لم تكن أمامي فرصة للاقتراب منه فلم يكن من بين مرضانا من يحتاجون إلي العرض علي هذا الطبيب النابغة.. وفيما يشبه الحلم عدت أقلب في أرقام التليفونات المسجلة علي محمولي وتحدثت إليه..
أصارحكم أنني ترددت للحظات ينازعني التخوف من أن جراحاته تحتاج إلي إمكانيات عالية لا تتوافر إلا في عدد من المستشفيات التي يصعب تحمل تكاليفها, لكني تراجعت عن إيمان أن كنوز الرب لا تفرغ.
* المفاجأة أنه دون أن أحدثه عن مخاوفي, سألته وسط الحديث عن المستشفي الذي سيقوم فيه بالجراحة لأدبر أمورنا.. المفاجأة أنه بادرني بقوله وكأنه يقرأ أفكاري:
** لا تقلق فكنيسة العذراء والملاك بالخلفاوي أقامت مستشفي علي أعلي مستوي, أتولي إدارته, ومجهزه بأحدث التقنيات الطبية.. رأيت في كلماته رسالة من الرب, وأن كل الأمور تمضي معنا للخير.. وكانت هدية السماء لنا الدكتور فادي ميشيل أستاذ جراحة العظام والعمود الفقري بكلية طب عين شمس.
* للحديث عن المستشفي الذي يحمل اسم البتول حديث آخر وليكن حديثنا اليوم مع هدية السماء الدكتور النابغة الذي تعايش معنا كواحد من أسرتنا التي تعمل لتخفيف آلام المتألمين ممن ليس لهم معين.. لمسنا هذا في مشاعره الطيبة, وفي مشورته وكرم تضحيته في المشاركة لإنقاذ بيشوي من قسوة الألم وعذاب الوجع.. ناهيك عن مهارته الطبية التي سجلتها رحلتنا معه والتي تحكيها السطور القادمة.
* كانت أشعة الرنين التي حملها بيشوي تكشف كل شيء بوضوح, ومع هذا مضي الدكتور فادي بتواضعه وركيزته العلمية ومهارته العملية يوضح كل شيء.. قال:
** ما حدث مع بيشوي كان امتدادا لما يعانيه لسنوات من خشونة وتآكل في الغضروف القطني ما بين الفقرة الخامسة والعجزية الأولي, وهو ما كان يسبب له آلاما متكررة أسفل الظهر.. وكان هذا إنذارا ليتجنب القيام بحركات مفاجئة, أو رفع حمولات ثقيلة, لكن من المؤكد أنه في غفلة منه قام بحركة خاطئة أدت إلي انفجار الانزلاق الغضروف, وأيا كان السبب فقد حدث الانفجار.
* سألته ما المقصود بالانفجار.. مرة أخري عاد موضحا.. قال:
** لكل إنسان 5 فقرات قطنية, بين كل فقرة وأخري غضروف قطني كوسادة بين الفقرات يتكون من كبسولة ليفية داخلها مادة جيلاتينية.. والمقصود بالانفجار هنا هو قطع هذه الكبسولة وخروج هذه المادة مما يتسبب في ضغط شديد علي أعصاب الورك والساقين, ويؤدي بالتالي إلي آلام شديدة جدا بالطرف السفلي, وقد يؤدي إلي ضعف بالعضلات مما يضعف الحركة والوقوف والمشي بطريقة طبيعية, وهو ما يمكن علاجه بجراحة لاستئصال الغضروف المنفجر, وهو ما سيريحه من الآلام الشديدة, لكن لن يحل مشكلة الخشونة الموجودة بين الفقرة القطنية الخامسة والعجزية الأولي التي تسبب الآلام المتكررة علي امتداد السنوات الست السابقة.
لذا فإن الحل الجذري هو إجراء ثلاث جراحات معا, أولاها لاستئصال الغضروف المنزلق, والثانية تثبيت الفقرات الخامسة والعجزية الأولي بشريحة ومسامير, والثالثة توسيع القناة العصبية.
* لم يترك لنا الدكتور فادي ميشيل مجالا للاختيار, فبأمانته العلمية وثقته في مهارته المهنية, وكل ما يمتلكه من مشاعر إنسانية لإنقاذ بيشوي اختار الحل الجذري, وطلب أشعة رنين جديدة.. ساعات وكانت صورة الأشعة أمامه مكتفيا بها دون انتظار للتقرير.. كان الوضع أسوأ مما كان عليه في الأشعة الأولي, وهو ما كان يتوقعه.. لم يجد وقتا للانتظار ومع شروق السبت الماضي كان كل شيء في مستشفي البتول مستعدا لأكبر جراحة, وفي السابعة تماما دخل بيشوي بصحبة الدكتور فادي حجرة العمليات تسبقهما دعواتنا.
* ساعتان وخرج الدكتور فادي.. رأيت فيه بالحق هدية الرب.. ثلاث جراحات في ساعتين.. حقيقة عايشتها لكنها وضعت أمامي كثيرا من علامات الاستغراب, فسألته عما دار داخل غرفة العمليات.. بهدوء أجابني:
** نشكر ربنا كل شيء مضي بسلام.. كان معنا الدكتور هاني سمير بسطا استشاري التخدير بمعهد ناصر وهو واحد من أكبر أطباء التخدير في مصر, فمثل هذه الجراحات تتطلب متابعة دقيقة للمريض من طبيب البنج خلال جراحة تستغرق وقتا طويلا نسبيا من الجراحات الأخري..
نشكر ربنا أن الجراحات الثلاث لم تستغرق إلا أقل من ساعتين.. بدأنا باستئصال الغضروف المنزلق, وتبعه تركيب دعامة مكانه وتثبيتها بشريحتين وأربعة مسامير بكل دقة وفي أقل وقت يساعدنا علي هذا التجهيزات ذات التقنية العالية المتوفرة في حجرة العمليات, وأهمها جهاز الأشعة الذي سمح لنا بمتابعة الصور الموجهة عن بعد للوصول إلي الموقع المنشود لتثبيت الشريحة, ووضع المسامير في مكانها, ولأنه قد صاحب الانزلاق الغضروفي تقلص وصغر في المسافة بين فقرات العمود الفقري ما نتج عنه ضيق في القناة العصبية التي تحتوي علي الحبل الشوكي فقد اختتمنا الجراحة بعملية توسيع القناة العصبية وإعطائها مسافة وحرية أكبر تجنبا لأي ضغط علي الأعصاب.
* ساعات وفاق بيشوي من تأثير البنج.. حماته التي كانت تصرخ وزوجته التي كانت تبكي لم تصدقا ما حدث.. كل الآلام اختفت فيما عدا ألم بسيط في ظهره.. طمأنهم الطبيب المساعد أنها من مكان الجراحة.
** في صباح اليوم التالي ولم يكن قد مضي علي إفاقته 24 ساعة جاءه الدكتور فادي ومد يده ليساعده علي النهوض ووقف بيشوي فيما يشبه المعجزة, والتقطنا له صورة مع الطبيب الإنسان النابغة الذي نصحه بالراحة التامة لأسبوعين, يعاود بعدهما الحضور للمستشفي لفك الغرز.
** إلي هنا انتهت حلقة من حلقات رحلتنا مع بيشوي.. حتي لو انتهت كل الحلقات ستبقي إلي الأبد الكلمات التي صاحبتني طوال رحلتنا يارب لا نعرف آخر سواك.