كان داود النبي يتحدث مع الله قائلا:يارب من يحل في خيمتك؟ ومن يقيم في جبل قداستك؟نزيه المسلك وفاعل البر والمتكلم بالحق في قلبه.
الذي لا يغتاب لسانه ولا يفعل بصاحبه شرا, ولا ينزل بقريبه عارا…(مزمور14:1-3) ذات يوم كان سقراط أكبر فلاسفة اليونان يحاضر لمجموعة من تلاميذه, ونجد فيهم كل متوقد الذهن, عالي الهمة,والطموح كأفلاطون الشهير وكثيرين من أمثاله وكان موضوع المحاضرة:نقائص الإنسان وعيوبه ومن جملة ما قاله سقراط:لا يوجد كائن علي الأرض, إلا وله منها نصيب يكثر أو يقل.
فإن أهمل مقاومتها, والعمل علي استئصالها, شوهت معالم الإنسانية فيه, ثم لا تلبث أن تغزو ملامح الوجه وتظهر عليها للجميع.
ثم قاطعه علي الفور أحد التلاميذ قائلا:إن كانت نظريتك صائبة, فأنت يا سقراط بملامحك المعيبة, أكثر الناس عيوبا ونقائص! وبكل هدوء أجابه الفيلسوف:نعم! فأنت علي حق فيما تقوله يا بني! ولكنني عندما تنبهت إليها, قد فان الأوان لذلك بدأت أقاومها ومازلت في حرب معها طوال الأيام.
هل نتخيل أي إنسان منا يخلو من العيوب والنقائص؟فقط, الشخص الذي أعماه الكبرياء, ويهمل في التخلص منها, حتي أنها تشوه معالم وملامح شخصيته, وتجعل الناس ينفرون منه.
كما أن أسوأ ما يعيب الإنسان انشغاله عن عيوبه الشخصية والسعي في الكشف عن نقائص الآخرين,علي نحو ما يفعل النمام الحقود, الذي يؤذيه رؤية الخير والنجاح والنمو في الناس, فيبدأ في التنقيب والبحث عما يعيبهم به من فضائح لينشرها أو أكاديب وافتراءات ليروجها.
ومما لاشك فيه أن الإنسان النمام يريد أن يهدم كل من حوله, ولا يدري نتيجة أفعاله هذه.
فأول ثمرة رديئة لنقل الكلام هي زرع البغض بين الناس,مما يدفعهم إلي التنافر والقطيعة والعداوة,غير أنه يعتبر عملا شيطانيا لمراضاة إبليس,ولكن السماء تغضب منه! والثمرة الثانية الفاسدة لنقل الكلام والنميمة, جلب الهم والغم للقلب الخالي وانشغاله بما لا طائل منه, أو لا فائدة منه ولا نفع.
وجميعنا يعلم أن الهموم تفسد القلب وتقضي علي راحة البال, وتسلب النوم والراحة منا.
والثمرة الثالثة غير الصالحة هي أن النميمة دليل علي سوء النية والأخلاق في النمام, وبرهان علي فساده وخبثه, حتي أنه لايكف عن كشف العيوب في الآخرين, لنشرها في كل مكان وزمان كما أن البعض من ضعاف الشخصية لايجدون أمام عيوبهم أفضل من أن يبحثوا في حياة الغير عن مواطن الضعف والنقص ليجدوا فيها مايعزيهم ويخدر تقريع ضميرهم, ويتلمس لهم الأعذار عن تصرفاتهم أمام الجميع.
والإنسان الذي يرفض التعلم واكتساب الفضيلة والأخلاق لديه سلاح واحد وهو ذم أهل الفضيلة, والسخرية منهم وتوجيه الاتهامات لهم لتشويه سمعتهم ولايكتفي بهذا بل يسعي لدعوة الناس لفقدان الثقة فيهم, علي أمل أن يتراجعوا عن كل ما هو حسن وخير ليصيروا مثله, والهدف من كل هذا, أن يجد التعزية والمبررات لما يفعله من مساوئ وشرور ونقائص, كم من المرات ألقينا خلف ظهورنا عيوبنا وأخطاءنا بينما نضع نصب أعيننا أخطاء وسلبيات الآخرين؟ونعيش في هذا الواقع المؤلم عندما نكون في قطيعة مع أحد أو في خلاف مع البعض, فنتصيد لهم كل شئ يقومون به دون رحمة ولا شفقة مهما كانت الظروف التي يمرون بها أو التي دفعتهم إلي ذلك, للأسف في كثير من الأحيان نحن نكيل بمكيالين نتهاون مع سلبيات البعض, لأنهم من المقربين لقلوبنا, بينما مع الآخرين الذين هم في خلاف معنا, ننتظر اللحظة الحاسمة التي يقعون فيها حتي لانرحمهم بسياطنا ونجلدهم بكلامنا أمام الغير…ياليتنا نفتح أعيننا لنري العيوب والأخطاء التي نرتكبها حتي نستطيع التخلص منها بينما ننظر للغير بعين الرحمة والرأفة ملتمسين لهم العذر عما يصدر منهم.
فالإنسان الناضج الذي يشعر بعيوبه يسعي للتخلص منها وتجنبها لأن كل شخص منا هو أفضل من يدرك حقيقة ذاته ومكنون داخله لأنه سيضع المشرط علي أمراضه وعلله والداء الذي أصابه فيداويها مثل الطبيب الجراح الذي يقتلع أسباب الورم الذي تفشي فينا, كل واحد منا مجهول بالنسبة للآخرين فإذا اكتشف نقائصه وفضائله في ذات الوقت, مما لا شك فيه أنه سيعالج الأولي وينمي الثانية وبهذه المعالجة سيصير أفضل مما كان ونختم بقول الشاعر:إن يعلموا الخير أخفوه, وأن علموا شرا أذاعوه, وإن لم يعلموا كذبوا.