يكتب القديس يوحنا في رسالته الأولي:من كانت له خيرات الدنيا, ورأي بأخيه حاجة فأغلق أحشاءه دون أخيه فكيف تقيم محبة الله فيه؟(3:17).
يحكي الفنان العظيم شارلي شابلن أشهر كوميديان في تاريخ السينما عن خبرة ودرس في طفولته كان لهما بالغ الأثر في حياته, وهذا هو مضمونهما:عندما كنت صغيرا ذهبت مع والدي لحضور أحد عروض السيرك الممتعة, ثم وقفنا في طابور طويل للحصول علي تذاكر الحفل, وكان أمامنا أسرة مكونة من ستة أبناء مع والديهم, وكان يبدو عليهم الفقر,وبالرغم من أن ثيابهم كانت قديمة, إلا أنها كانت نظيفة جدا, وكان أطفالهم في غاية السعادة وهم يتحدثون عن السيرك.
وعندما وصلوا لشباك التذاكر, تقدم الأب ليسأل عن سعر التذاكر, وعندما أخبره الموظف ثمن التكلفة, وقع الأب في حيرة والخجل باديا علي وجهه, ثم أخذ يهمس مع زوجته, وكانت علامات الحرج تظهر عليه.
فرأيت أبي العزيز يضع يده في جيبه ليخرج منه عشرين دولارا, فألقي بها علي الأرض, ثم انحني والتقطها ووضع يده علي كتف الرجل قائلا له:لقد سقطت هذه النقود منك فنظر إليه الرجل المسكين والدموع تملأ عينيه ثم قال له:شكرا جزيلا ياسيدي!.
وبعد أن دخلت هذه العائلة لحضور عروض السيرك.
شدني والدي لنخرج من الصف, لأنه لم يكن يملك سوي العشرين دولارا فقط التي أعطاها للرجل.
كم كنت فخورا جدا بأبي, لأن ذلك المشهد كان أجمل العروض التي شاهدتها في حياتي, وأجمل من عرض السيرك الذي لم أستطع مشاهدته. ما أعظم القلب البشري حينما تمس الرحمة أوتاره الحساسة, وتعزف عليها! كما أن القلب سيكون ينبوعا فياضا بالحنان والعطف والإنسانية, ولن تقف أمامه أي عوائق ليعبر عن سخائه نحو الآخر, وخاصة المحتاج والبائس.
مما لاشك فيه أن الإحسان لايمكن حصره في المساعدة المادية فحسب, لأن التضحية وهبة الذات هما أفضل من المال.
وإذا بحث كل شخص منا في محيطه, سيجد حوله نفوسا بائسة كثيرة, تحتاج إلي ابتسامة أو دمعة أو كلمة طيبة أو تشجيع. كما أننا يجب أن ندرك جيدا أن الحسنة أو الصدقة التي نقدمها للمحتاج, ليست سخاء نفس ومنة, بل هي واجب مقدس, ودين في أعناقنا, نوفيه لصاحبه مقدمين له الشكر ومعتذرين عن تأخرنا ومماطلتنا نحوه.
كما أن المحتاج الذي يقف علي قارعة الطريق, ينتظر منا كلمة طيبة تدخل قلبه لتداويه وتخفف من آلامه, أكثر من قطعة النقود التي نضعها في يده.
ويحتاج لنظرة حنان تداوي نفسه الكسيرة, ويسعد بابتسامة تجعله يشعر أنه أخ لنا.
لأن الصدقة الحقة هي محبة المحتاجين واحترامهم, وتضحية ذاتنا من أجلهم, وإدخال المسرة في قلوبهم.
كم من الشباعي الذين يأكلون حتي التخمة, ويموتون من كثرة الطعام, في حين أن هناك الملايين حول العالم يموتون جوعا؟! وكم من المسرفين في المآدب والحفلات, يلقون فضلات الطعام أكثر مما يأكلون منه, في حين أن هناك الملايين الذين يتمنون حتي ولو كسرة خبز لسد جوعهم؟! وكم هؤلاء الذين ينفقون علي اللهو والتفاهات, دون حاجة أو فائدة في حين أن هناك الملايين من البؤساء الذين لا يجدون ثمن دواء يخفف آلامهم وأوجاعهم؟! نحن نجد ما ننفقه في سبيل اللهو, وشراء ما لد لنا وطاب فهل تذكرنا يوما الأطفال الفقراء الذين يسيرون حفاة الأقدام, مرتدين ثيابا بالية, ومن المحتمل أن يكونوا مرضي ولايجدون ثمن الدواء, وجياع يشتهون ما نلقيه من فضلات؟! وكما يقول المثل:ليس الفقير من يملك قليلا, لكن الفقير هو من يحتاج كثيرا.
فالصدقة لاتفقر مهما زادت, بل البخل علي الفقير هو الذي يفقر.
مما لا شك فيه أنه لاتوجد رذيلة في الإنسان أسوأ من بالبخل,ولاسيما علي سعة وغني, لأن البخل علي الغير يستجلب كره الناس ونقمة السماء, والبخل علي النفس يفسد لذة الحياة وراحة الضمير.
ليس هناك فضيلة تمس قلب الله فيهتز فرحا وغبطة, مثل الرحمة التي نمارسها مع البائس والمحتاج, لأن الرحمة هي من صفات الله في معاملته لخلاقة.
ومن المستحيل أن ينسي الله كل ما نفعله مع الفقير والمحتاج,وليس من عادة الله وهو الجود بالذات, أن يترك بلا مكافأة, ما نعمله في سبيل الفقراء.
ونختم بالقول المأثور:كنت أبحث عن الله فما وجدته, عانقت فقيرا فوجدت الله.