(1): لأنك لم تأذن لي
تحكي كتب العرب أن رجلا كان يعمل حارسا علي بستان لأحد الأثرياء, وقضي في عمله هذا سنوات متعددة. ذات يوم جاء صاحب البستان وطلب منه قائلا: أريد رمانا حلوا. فذهب الحارس إلي شجرة أحضر منها بعض ثمار الرمان, فلما تذوقه صاحب البستان وجده حامضا, فتضايق وقال للحارس: أطلب الحلو فتحضر لي الحامض؟.. اذهب وهات الحلو. مضي الحارس وقطع من شجرة أخري, فلما تذوقه صاحب البستان وجده أيضا حامضا, فاشتد ضيقه. وتكرر ذلك مرة ثالثة, فسأل صاحب البستان الحارس: هل أنت لا تعرف الحلو من الحامض؟! أجاب الحارس: لا. قال صاحب البستان في دهشة: كيف ذلك؟ قال الحارس: لأنني لم آكل منه شيئا حتي أعرفه. هنا ازدادت دهشة صاحب البستان وسأله: ولماذا لم تأكل؟ أجاب الحارس في ثقة: لأنك لم تأذن لي أن آكل من ثمار البستان. وعندما تأكد صاحب البستان من صدق الحارس, قدره تقديرا كبيرا, وزوجه ابنته.
(2): أعظم مكافأة
تقول الحكايات الشعبية: إن أحد العلماء التقي ذات يوم بأحد الحكماء, في الميدان الواسع لمدينة كبيرة وقد ازدحم بمئات الناس. تقدم العالم من الحكيم وسأله: من الذي يستحق الفوز بأعظم المكافأة لأعماله الصالحة من بين هؤلاء الناس؟.
أشار الحكيم إلي رجلين عاديين يسيران وسط الجمهور, وقد ظهرت عليهما البشاشة وصفاء النفس. أسرع العالم وراء الرجلين وسألهما: لاشك أنكما تتصفان بصفات نبيلة عالية.. هل أستطيع أن أعرف ما الذي يميزكما عن الآخرين؟ ظهرت الدهشة علي الرجلين, وقالا: نحن قوم بسطاء فقراء, لكننا نحرص علي البشاشة وهدوء النفس. وكلما التقينا بشخص حزين أو مكتئب أو يائس, لا نتركه إلي أن نخفف عنه حتي ينسي حزنه ويأسه. وإذا عرفنا أن الخصام دب بين اثنين, لا نتركهما إلي أن نزيل أسباب الخلاف, فيعود الصفاء بينهما.. وهذا هو كل ما نحرص عليه.
(3): الإصغاء ثروة
ذات ليلة دعاني أحد الأصدقاء إلي العشاء, فوجدته قد جمع علي مائدته عددا كبيرا من العلماء والأدباء. كان في المقعد المجاور لي أحد علماء النبات المشهورين, وكنت قد سمعت عنه, لكنها كانت المرة الأولي التي أقابله فيها. ظللت طول ذلك المساء أصغي إليه وهو يتحدث عن القطن وفول الصويا والورد والنباتات الطبية. وانتصف الليل, فوقف صديقي يودعنا ونحن ننصرف, فالتفت أستاذ النبات إلي صاحب البيت وقال له عني: لقد استمتعت جدا بالجلوس إلي صديقنا, إنه من أفضل من يديرون الحديث والنقاش.. إنه متحدث بارع ولبق.
خرجت إلي الطريق وكلي دهشة من هذا الكلام, فأنا لم أفتح فمي أبدا طول ذلك المساء, لأني لم أكن أعرف شيئا في علم النبات. لكن الذي فعلته هو أنني أصغيت بعناية, وركزت سمعي مع عالم النبات لأنني كنت مهتما حقيقة بما أسمع. وقد لاحظ هو شدة اهتمامي بما يقول, وكان مسرورا بذلك, فأعطاني في ساعات معرفة شاملة قد أحتاج إلي شهور طويلة لتحصيلها. قلت لنفسي وأنا أواصل سيري: إذا أردت أن تستفيد وأن يحبك الناس, فأحسن الإصغاء.
(4): كن مثل هذا النبع!
التقي ثلاثة من المسافرين في يوم شديد الحر, أمام نبع بارد عذب, فشربوا حتي اكتفوا. ثم هموا بالانصراف, فشاهدوا بجانب النبع لوحة مكتوبا عليها العبارة الاتية: كن مثل هذا النبع. فوقفوا يتناقشون في معناها.. قال الأول, وكان تاجرا نشيطا: إنها نصيحة طيبة, فعلينا أن نسعي ليكون لنا مال كثير لا ينفد, مثل ماء هذا النبع الذي لا ينضب. وقال الثاني: وكان شابا طيبا: بل يجب علينا أن ننقي سرائرنا, ونطهر نفوسنا من البغضاء, حتي تكون صافية عذبة مثل هذا النبع. أما الثالث فقال, وكان رجلا صالحا مجربا: هذا النبع يروي الظمآن, ويجد الناس حوله الراحة والظل, فعلينا أن نكون مثله كرماء نبذل للناس الخير والعون.
(5): حصان الخيال
كنت وشقيقتي البالغة من العمر أربع سنوات, نتمشي ذات مساء مع أبي. وإذا بها تطلب منه أن يحملها لأنها شعرت بالتعب, فقال لها إنه يشعر أيضا بالتعب, فأخذت تبكي. لم يقل أبي شيئا, وقطع عودا من شجرة وقال: خذيه.. إنه حصان صغير, تستطيعين أن تركبيه حتي البيت. فجعلت أختي من عود الشجرة كأنه حصان, وسبقتنا إلي البيت سعيدة بلعبها التمثيلي. ضحك والدي وقال: كذلك الحياة, قد يصل بك تعب الجسم أو الذهن إلي درجة كبيرة, حتي تظن أنك عاجز عن الاستمرار في أي عمل, ثم تجد عودا قد يكون صديقا أو زهرة أو أغنية أو بسمة طفل, فتتخذه حصانا تبلغ عليه ما تريد. اليوم أقول لأولادي إن هناك حصانا يستطيع أن يتخطي بهم كل عقبة تعترضهم, وما عليهم إلا أن يفتحوا خيالهم وعيونهم ويبحثوا عنه.
Email: [email protected]