يعلمنا السيد المسيح قائلا:ليكن كلامكم نعم نعم, ولا لا, ومازاد علي ذلك فهو من الشرير(متي5:37).
لماذا يكذب الكثيرون؟كم من مجالات ومواقف ومعاملات لا حصر لها تبني علي الكذب والخداع؟ كم من مشاريع تجارية ودعاية ينقصها الصدق والشفافية؟من يقبل أن يصفه الناس بـالكاذب؟.
هناك موقف طريف لأحد مدعي الفضيلة والتقوي عندما أراد أن يزور الكاتب الشهيرJohn Bunyan وهو في السجن, أملا أن يغير حياته حتي يتوب ويرجع إلي الله فقال له:أيها الكاتب المبجل, لدي رسالة من الله أحضرتها لك, ولكنني تأخرت لمدة طويلة في إبلاغك إياها, والسبب في ذلك أنني اضطررت أنأذهب إلي معظم سجون إنجلترا لأبحث عنك, ولكنني وجدتك اليوم فقط فرد عليه الكاتب بكل سخرية قائلا:أخي العزيز, إن كان الله أرسلك إلي كما تدعي, فما كنت بحاجة إلي هذه المعاناة وهذه المدة لتبحث عني, لأن الله يعلم تماما بأنني في هذا السجن منذ سبع سنوات.
كان هذا الرد كفيلا بأن يفضح كذب وادعاء ونفاق ذلك الرجل, حتي أنه عاد يجر أذيال الخزي والعار.
هذه نتيجة كل من يكذب أو يخدع الآخرين بنفاقه, لن يستطيع أحد منا أن يخفي الحقيقة وراء قناع الكذب, لأنها لابد أن تظهر يوما ما للعيان! إذا اكتشف الآخرون كذبنا وخداعنا, كيف تصبح النتيجة فيما بعد؟بالطبع سيضطرون إلي الشك في إخلاصنا وصدقنا ويفقدون الثقة فينا, فالإنسان الذي لايقول الصدق,يفقد علاقته مع الآخرين ويفشل في أعماله وإنجازاته.
كم من الأشخاص الذين يلجأون إلي آفة الكذب والنفاق للاحتفاظ بمراكزهم في المجتمع؟ولكن للأسف سيفضح أمرهم عما قليل, عندما يظهر كذبهم للعيان, وتكون النتيجة الحتمية أن يفقدوا مركزهم الاجتماعي والديني والأخلاقي.
هناك أنواع مختلفة من الكذابين نسرد منهم ثلاثة فقط:النوع الأول هم الذين يملكون الكذب في الدم ويكذبون من أجل تجميل واقعهم, والنوع الثاني الذين يكذبون ليتجنبوا الصراعات والمشاكل, والنوع الثالث لهؤلاء الكذابين العصريين الذين يدافعون عن أنفسهم قائلين:الآخرون فهمونا خطأ وللأسف أن آفة الكذب ولادة, فالكذبة الواحدة تنجب مئات ومئات من الأكاذيب والنفاق, ويكون الدفاع عنها بمجموعة أخري من الأكاذيب, ويصبح الإنسان الكذاب محاطا بسلسلة لايستطيع الإفلات منها.
وكما يقول Graham Greene:إن لم تكونوا سبب عائق لأحد أبدا, فهذه علامة ودليل علي أنكم لم تقولوا الحقيقة في كل حين.
لأننا من الممكن أن نخدع بعض الناس لمدة من الزمن, ولكن يستحيل علينا أن نخدع جميع الناس ونكذب عليهم حتي النهاية, ويحثنا الوحي قائلا:لا تسرقوا ولاتكذبوا ولايخدع أحد قريبه(أخبار19:11).
مما لاشك فيه أن الإنسان الذي يكذب لن يستطيع أن يخفي هفواته أو يعتذر عن أخطائه بالكذب, لأنه مثل من يريد أن يزيل بقعة عن ثوبه الثمين, فيلجأ إلي مقص يقطع به مكان البقعة.
ولنتساءل:ما موقف الكذاب أمام المجتمع والآخرين عندما ينكشف ويفتضح أمره؟ من يكذب مرة واحدة بالطبع سيفقد ثقة الناس فيه, وإن حاول تبرير ذلك لن يصدقه أحد, ولن يثق في أي حديث أو كلام يتفوه به في أي مناسبة.
إذا كيف نربح ثقة الناس فينا؟ أن نتحلي بالصدق والشفافية في أقوالنا وأفعالنا, ونتدرب علي نبذ العادات الضارة كالكذب والرياء والنفاق الذين يجبرون الناس علي عدم تصديقنا أو الثقة في شهادتنا.
كم هو جميل ورائع أن نتعلم قول الحقيقة في كل حين ومع جميع الناس, كما يجب أن تكون الحقيقة بدون مبالغة أو نقصان,لأن من يتحلي بها, يصبح شخصا موضع ثقة للآخرين, فالصدق هو أساس التدين الحق ومخافة الله واحترام العباد.
ولا سبيل للنجاة إلا بالصدق الذي به تتقوي علاقتنا بالله ونربح الناس,كما أن الصدق رمز للشجاعة فالإنسان صاحب القلب الصافي والضمير الحي لا يلجأ أبدا إلي الكذب في أي ظرف يمر به لأنه علي يقين بأن الله شاهد علي ما يقول.
وتكون أفكاره ظاهرة للعيان دون تملق, كما أن أقواله واضحة لا يشوبها التمويه أو الخداع,علاوة علي ذلك أن أعماله تتفق مع أقواله ولاتكذبها فيقول ما يعتقد ويعتقد فيما يقوله, ولا يحتاج إلي أن يثبت اليوم ما قاله أمس, ولاينكر غدا ما يقوله اليوم.ونختم بالقول المأثور:ثوب الرياء يشف عما تحته فإذا اكتسيت به فإنك عار.