يقول يشوع بن سيراخ:خبيث من يحسد بعينه ويحول وجهه ويحتقر الناس(14:8). علي مر الزمان نجد الذين يشوهون سمعة الآخرين ويسخرون منهم بدافع من الغيرة والحسد. ذات يوم دعي الفنان الإغريقي الشهير Apelle من الإسكندر الأكبر في قصره, وهناك عرض الفنان لوحة في غاية الروعة والجمال ليشاهدها المدعوون ثم يبدي كل واحد منهم ملاحظاته فيها. فاختبأ الفنان خلف اللوحة بحيث لايستطيع أحد رؤيته ليبدي رأيه بصراحة وحرية, وفي نفس الوقت يري الآخرين ويسمع آراءهم. ثم ظهر فجأة إسكافي بين الحضور وبدأ ينتقد الحذاء ويظهر عيوبا فيه, ولكنه لم يكتف بهذا, بل أخذ يتطاول في نقده اللاذع للوحة كلها, فاضطر الفنان أن يقاطعه قائلا:أيها الإسكافي! لا ترتفع فوق الحذاء. نستخلص من هذه الأمثولة أن هناك أشخاصا نتقابل معهم في حياتنا اليومية لا عمل لهم سوي انتقاد كل ما يرونه أو يسمعونه حتي وإن كان بعيدا عن تخصصهم أو ليست لهم دراية في هذا المجال.كم من الأشخاص الذين تتوقف ثقافتهم ومعرفتهم عما تصبه الثرثرة والتفاهات في عقولهم, وبالرغم من ذلك يتفلسفون في كل شيء؟نستطيع أن نطلق علي ما يفعله هؤلاء:الادعاء الكاذب وهو مرض يصيب السطحيين وأصحاب الذكاء المحدود, حتي أن عقولهم لاتتسع لتحصيل أكثر مما يجترونه من الأفكار الهدامة والسخرية من الآخرين. ويقول أحد الحكماء:إن ضحايا السخرية أكثر بما لا يقدر من الضحايا التي أوقعها الشيطان في حبائل إغوائه.
مما لاشك فيه أن البعض يعتبر هذا القول مبالغا فيه, ولكن الواقع يثبت لنا أن السخرية قوة هدامة تبعد الآخر عن طريق الخير والفضيلة والتقدم لا يوجد أي إنسان خال من النقائص والعيوب, ولكن يوجد بعض الأشخاص الذين يعميهم الكبرياء ويظنون أنهم أكثر الناس كمالا واستقامة, لذلك ينشغلون عنها, ويشنون حملة للكشف عن مساوئ الغير, كما يفعل النمام الحسود الذي يؤذيه رؤية الخير والنجاح في الناس, فيسعي في التنقيب عما يعيب الآخرين كاشفا زلاتهم مستخدما سلاح الكذب والنفاق. كانت السخرية ومازالت سلاح الجهل والشر وسوء النية, ولكن هذا السلاح ضعيف لايخيف إلا ضعاف العزيمة والشخصية, كما أنه لا يؤثر إلا علي الذين يهتمون بما يقوله الناس عنهم, لذلك يجب علينا ألا نعيرها اهتماما ولا نبالي بها, ولا نتأثر بأحكام الناس لأنها حتما ستبعدنا عن طريق الفضيلة والخير, فلا نتشبه بهؤلاء الذين يتأثرون من سخرية الغير وكلامهم حتي يهدموا حياتهم, وكما يقول شيشرون الخطيب: لايحسب في عداد البشر, من يتخذ أحكام الناس دستورا لحياته.إذا… فشجاعتنا أقوي سلاح لسد أفواه المتهكمين الذين يؤذيهم أن يروا الغير أفضل منهم, وسلاحهم الوحيد هو السخرية التي يسترون بها جهلهم وسوء نيتهم.كثيرا ما نجد في حياتنا أشخاصا لا غذاء لهم سوء الأحاديث التي لا فائدة منها, ولا هدف سوء انتقاد هذا والسخرية من ذاك فالإنسان عديم الثقة في ذاته هو الذي يعطي أهمية لهذه الأقاويل, ويتأثر بها حتي أنها حياته وتقلبها رأسا علي عقب, ولكن الإنسان الواثق في معونة الله وحكمة, لا يهتم إلا بإرضاء ضميره, والتمسك بما يمليه عليه الواجب.
من السهل أن نكتشف هدف سخرية البعض ألا وهو خبث النية وفساد الطبع والقلب لأنهم يسعون إلي زرع الخصام والفرقة بين القلوب حتي وإن لجأوا للكذب في أحاديثهم, لذا يجب علينا ألا نتأثر بهؤلاء ولا نتمثل بهم.
من يغلق عينيه أمام عيوبه ولا يعيرها اهتماما ويقلل من شأنها, يهمل في التخلص منها, ويتمادي فيها وتتفشي في حياته وتشوه معالم شخصيته حتي أنها تدفعه إلي الشقاء, ويسعي إلي الوسيلة الوحيدة وهي ضعف وعيوب الآخرين, حتي تمنحه بعض العزاء وتخدر ضميره ويلتمس لذاته الأعذار والمبررات عما يقوم به من تصرفات مشينة لكن الواقع يثبت لنا أنه لا يستطيع أحد أن ينكر أو يخفي عيوبه لأنها جلية أمام الجميع, فالكذاب تفضحه عيناه وحديثه, وعديم الأدب ينكشف من لهجته ونبرة صوته, وعديم الأخلاق يعرفه الناس من نظراته غير البريئة, فمن يتغافل عن التخلص من عيوبه يشوه معالم شخصيته ويصبح سخرية أمام الجميع, لذلك يجب علي كل واحد أن يفكر في إصلاح ذاته, ونختم بالقول المأثور:افرح بما لم تنطق به من خطأ أكثر من فرحك بما نطقت به من صواب.