يقول بولس الرسول:أزيلوا عنكم كل شراسة وسخط وغضب وصخب وشتيمة وكل ما كان سوءا(أفسس4:31) نحن نعيش عالما يتسارع في تدمير الآخر والانتقام من الغير بشتي الوسائل. يذكرني هذا بما فعله الذئب مع الحمل الوديع, عندما وقف أمام مجري ماء من أعلي التل متطلعا لعله يجد فريسة يلتهمها, ثم رأي حملا أسفل التل يشرب من المجري, فخطرت علي باله فكرة ليبرر افتراسه للحمل فقال له:إنك حمل صغير, لكنك تتصرف بدون أدب.فسأله الحمل:لماذا تتهمني بهذا؟ أجاب الذئب:لأنك تعكر المياه بينما أنا أشرب منها.
فرد الحمل عليه:أيها الذئب, أنت تشرب من المجري من أعلي, بينما أنا أشرب من أسفل, فكيف يمكنني أن أعكر المياه النازلة من فوق؟!
فصمت الذئب لحظة ثم قال له:لقد سمعت من مصدر ما أنك تكلمت عني بالسوء-كيف أتكلم عنك بسوء أو بخير ونحن لم نتقابل أبدا من قبل؟-إذا لابد أن يكون أخوك هو الذي تكلم بسوء في حقي-أيها الذئب, أعلمك بأنني ليس لي أخوة-وإن كان ليس أخوة, فمن المؤكد أنك شبيه بوالدك, فهو الذي تحدث عني بالسوء لذلك يجب أن انتقم منه في شخصك وقبل أن يتفوه الحمل بكلمة, هجم عليه الذئب وافترسه. مما لا شك فيه أن جميع إجابات الحمل تبرره, ولكن كيف يتحقق هذا أمام ذئب لايعرف إلا لغة الافتراس؟! فالحوار مع الذئب غير مجد, لهذا يجب علينا أن نهرب من الحوار مع الشر لأنه لايعرف المنطق بل يجب علينا أن ننشر الخير في كل مكان نتواجد فيه, كم من ملايين الأبرياء في عالمنا, ولكن للأسف لايوجد من يستمع إلي شكواهم ليثبت براءتهم؟! وكم من الأشخاص ذوي القلوب المتحجرة الذين لا تهزهم أي مشاعر إنسانية؟ فالحب هو السبيل الوحيد لقتل العداوة, لأن البغض يولد الكراهية والحقد والانتقام وسلب حقوق الغير, وربما يدفع إلي ارتكاب أبشع الجرائم كما نقرأ في تاريخ البشرية, إذا فالحب وحده يخلق ويبني ويشيد, بينما البغض يفني ويهدم ويبيد, كم من المرات التي حكمنا فيها بأحكام ظالمة وقاسية علي الآخرين نتيجة بغضنا لهم؟
كم من المرات التي فيها تحاملنا علي الناس وقمنا بتشويه سمعتهم وسعينا إلي الانتقام منهم لاتفه الأسباب؟ لذا يجب أن نضع في الحسبان بأن البغض إذا تملك قلب الإنسان يتحول إلي سرطان ينهش كل العواطف الإنسانية والنبيلة الموجودة بداخلنا حتي أنه يهز شخصيتنا ويشوه كل تصرفاتنا, وتكون النتيجة حتما هي فقدان معني الحياة وقيمتها. وهناك الكثيرون الذين أفسدوا حياتهم وحولوها إلي جحيم نتيجة أحقادهم وبغضهم لأن الإنسان الذي يستسلم للبغض, لن ينعم بجمال الحياة التي منحه إياها الله فالسعادة ما هي إلا سلام مع الله وسلام مع القريب وسلام مع النفس! كل شخص منا بداخله عنصري الخير والشر, وتختلف نسبة وجودهما حسب الأشخاص وميولهم وتصرفاتهم, لأن الذي يعمل الخير والصلاح ستكون حياته هادئة وسعيدة, وفي ذات الوقت يستحق النعمة والبركة من الله, لأن هذه الهبة تزيدنا قوة وشجاعة وميلا إلي الصلاح, والتعود علي عمل الخير وممارسة الفضيلة, ونتيجة كل هذا قتل الميول الشريرة الموجودة بداخلنا فكلما كره الإنسان الشر, اقترب من الله, لأن الله يبغض الشر, وطالما كان الله قريبا منا, فلن يقوي علينا الشر, بل ننتصر عليه ونحيا في النور, كما أن الامتناع عن عمل الخير وممارسة الفضيلة هو شر في حد ذاته فالقلب هو المحرك الأول والأفضل في حياة كل شخص منا,ومن يتحكم فيه, ستكون تصرفاته حسنة وفاضلة, لأنه لا يوجد عمل يقوم به الإنسان إلا وكان القلب دافعا له, فإن فسد قلب الإنسان كان تأثيره السيئ علي حياته كلها, ولكن إن صلح أشرقت الحياة وعاش الإنسان في سعادة تامة مع الله والآخرين وذاته.لهذا يجب أن نعي بأن كل شخص منا يحمل في داخله شعلة إلهية ومن الممكن أن تلتهب في كل لحظة لعمل الخير, إذا يجب علينا أن نحافظ علي هذه الشعلة لتكون مضيئة دائما علي مدار حياتنا الأرضية حتي نتجنب البغض والكراهية وكل سوء طالبين من الله أن يزرع نضارة الحب في قلوبنا وينزع تجاعيد الحقد من داخلنا.ونختم بالمثل الياباني:لا توقد النار لتحرق أخاك, فإنها قد تحرقك قبل أن تصله.