يوما بعد آخر يتسع ويزداد استخدام شبكات التواصل الاجتماعي ومواقعها,ويأتي الشباب علي رأس الجمهور الأكثر استخداما لتلك المواقع,وقد كشفت الممارسة العملية خلال السنوات القليلة الماضية,أن هذه المواقع وإن حملت الكثير من الإيجابيات,إلا أنها حملت بعض السلبيات أيضا,فهي ليست خيرا كاملا وليست شرا كاملا,الأمر الذي يدعو إلي أن تكون هناك بعض الضوابط والقواعد لتعظيم الجانب الإيجابي والتقليل من الجانب السلبي…
علي المستوي الإيجابي,ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في تدعيم حرية الرأي والتعبير,من خلال قيام المستخدمين بالتعبير عن رؤاهم وأفكارهم ووجهات نظرهم تجاه مختلف القضايا والموضوعات, وبفضلها ظهر ما يسمي بالمواطن الصحفي أو صحافة المواطن(Citizen Journalism) ,حيث أصبح المواطن شريكا في صناعة الرسالة الإعلامية وتوجيهها لآخرين,وليس متلقيا سلبيا.
وحققت تلك الوسائل سهولة التواصل بين المواطنين بعضهم بعضا,وتجاوز حدود المكان والموقع الجغرافي,فلم يعد صعبا أن يتواصل شخص مع شخص آخر وبينهما مسافات بعيدة. ويحسب لمواقع التواصل الاجتماعي أنها استطاعت إلقاء الضوء علي عدد من الإيجابيات الموجودة في المجتمعات,كما أنها أثارت الكثير من القضايا الحيوية,التي ما كان لها أن تجد اهتماما واستجابة إلا من خلال التركيز عليها في تلك المواقع عبر نشر الصور والفيديوهات والكتابات.
أما علي المستوي السلبي فقد تسببت مواقع التواصل الاجتماعي في بعض المشكلات الخاصة بمنظومة القيم,حيث سمحت بممارسات غير مسئولة من قبل بعض مستخدميها بعيدا عن مبدأ الحرية المسئولة,الذي يعني أن كل حرية تقابلها مسئولية وكل حق يقابله واجب.
وعلي مواقع التواصل الاجتماعي شارك البعض في إنتاج خطاب الكراهية (Hate Speech) تجاه الآخر المختلف في الدين-المذهب الديني داخل الدين الواحد-النوع الاجتماعي-اللون-الشكل-الفكر-الانتماء الفكري والأيديولوجي والسياسي…إلخ,واتجه البعض نحو العنف اللفظي,والسخرية من الآخرين,ونقل الخلافات الشخصية والصراعات الخاصة إلي ساحة الفضاء الإلكتروني.
كما تسببت تلك المواقع في تدهور قيمة الوقت عند بعض مستخدمي تلك المواقع,مما أثر بالسلب علي التواصل الحي والفعال من الآخرين مع زملاء وأصدقاء وأقارب كما أثرت سلبا علي عملية الإنتاج,حتي أن البعض صار يتندر ويعتبرها مواقع التفكك الأسري والانفصال الاجتماعي.
أيضا التأثير السلبي علي اللغة العربية,حيث يكتب البعض بلغة عامية أو بطريقة الفرانكوآراب(Frsnce Arab), من حيث كتابة كلمات وجمل وعبارات عربية بحروف لاتينية.
وهناك خطورة في الاعتماد علي وسائل التواصل الاجتماعي في الحصول علي المعلومات حيث تمثل الوسائل فضاء إلكترونيا يسمح بالنشر وتداول الأخبار في مختلف المجالات دون الخضوع لقواعد وضوابط كافية,حيث ساهمت تلك المواقع في انتشار الشائعات وانتشار ما يسمي بالأخبار الزائفة أو الأخبار المضللة(Fake News),ويقصد بها الأخبار الكاذبة غير الصادقة وغير الحقيقية,مما أثر علي قيم الصدق والنزاهة والموضوعية فيما ينشره بعض مستخدمي تلك المواقع,وهم نتاج المجتمع الذي يعيشون فيه ويتفاعلون معه بكل ظروفه ومختلف تحدياته.
إن ثمة حاجة إلي استثمار مواقع التواصل الاجتماعي من أجل نشر الوعي وتحقيق التنمية,بما يصب في صالح بناء الإنسان,حيث يتطلب الأمر وقفة جادة لبحث مسألة تبدل القيم حتي تكون مدروسة وموجهة للأفضل,وليست عشوائية,فلا نتركها للظروف والأحداث وكأن المواطنين/الجمهور ريشة في مهب الريح,وإنما من خلال تخطيط وترتيب ونظام عبر استراتيجية متكاملة تأخد في الحسبان مجموعة من الأساليب والآليات لمواجهة تبدل القيم,وأقترح:
أولا:نشر العلم والثقافة,والاهتمام بغرس القيم الأصيلة في نفوس الأطفال باعتبارهم شباب الغد وقادة المستقبل,وتنمية الوعي بحقيقة التغير,والتوعية بأن دور الفرد ليس تقبل التغير فحسب,وإنما المساهمة في صنعه,وتنمية وعي الشباب بمشكلات وقضايا المجتمع الذي يعيشون فيه,ودورهم في حل هذه المشكلات والانتقال بالمجتمع إلي آفاق أرحب من التقدم والتنمية,وإحياء التراث الثقافي والاجتماعي والتأكيد علي هوية المجتمع وذاتيته إلي جانب الانفتاح علي الثقافات الأخري والأخذ بما يوافق ثقافة مجتمعاتنا العربية.
ثانيا:إطلاق مبادرات مجتمعية تعني بمنظومة القيم,عبر اشتراك مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية,التي يمكنها تبني خطة قومية غرضها دعم وترسيخ منظومة القيم الإيجابية,وهنا يبرز دور الأسرة والمؤسسات الدينية إسلامية ومسيحية,والمؤسسات الثقافية والتعليمية والفنية والإعلامية والتشريعية,بالإضافة إلي جهود الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني,وغيرها من المنظمات والمؤسسات الإقليمية والدولية.
ثالثا:مع الأخذ في الاعتبار أن هناك تراثا علميا وثقافيا فكريا تعرض لمسألة تبدل القيم,فإن ثمة تطلعا إلي أن تأتي منظومة القيم في المجتمع المصري/والعربي علي رأس أولويات اهتمام الباحثين في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية,عبر القيام بمشروعات بحثية مشتركة لدراسة المسألة من جميع جوانبها والخروج بتوصيات واقتراحات تمكننا من تجاوز الأزمة الأخلاقية.
رابعا:تعميم تدريس مقررالتربية الإعلامية,ليس علي كليات ومعاهد وأقسام الإعلام فحسب,ولكن أيضا علي مراحل التعليم المختلفة منذ المرحلة الابتدائية وحتي المرحلة الثانوية,وتنظيم ندوات التوعية والتثقيف بكيفية التعامل الآمن مع وسائل الإعلام وغيرها من شبكات التواصل الاجتماعي.
خامسا:إعداد وإقرار ميثاق شرف أو مدونة سلوك أو كتيب تعليمات يتضمن مجموعة من المبادئ والقواعد والأخلاقيات,وطرحه أمام مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي.
سادسا:توعية المواطنين بأهمية الاعتماد علي المصادر المسئولة والموثوقة التي تتمتع بمصداقية عالية,بمعني تدقيق المعلومات قبل تصديقها وتداولها,من باب الأمانة وحراصا علي سلامة الوطن ومواطنيه,ما يؤكد أهمية مراكز وإدارات الإعلام والعلاقات العامة لمؤسسات الدولة ويزيد من مسئولية ودور المتحدث الرسمي والإعلامي,والحاجة إلي إعداد الكوادر البشرية المناسبة في هذه القطاعات وتدريبها باستمرار وتطوير قدراتها,وتحديث المواقع الإلكترونية لتلك المؤسسات أولا بأول والاستفادة مما تتيحه التكنولوجيا الحديثة من وسائل إعلام وأدوات تواصل فعالة.
سابعا:عدم الاعتماد علي مواقع التواصل الاجتماعي في الحصول علي الأخبار والمعلومات إلا بعد فحصها والتأكد من مصداقيتها.
ثامنا:إعمال منظومة المحاسبة والمساءلة,من خلال الهيئات المختصة عبر سن وتشريع القوانين المناسبة التي تجرم كل ما يمثل ممارسات سلبية ضارة بمنظومة القيم.
تاسعا:الاهتمام بالتدريب والتوعية والتثقيف,وإصدار التقارير الدورية المعنية بالممارسات الصحفية والإعلامية,وتشجيع الجماعة الصحفية والإعلامية علي نشر مواد صحفية وبث برامج إذاعية وتليفزيونية تلبي احتياجات المواطنين وتدعم المناقشة والحوار وغيرها من قيم إيجابية وتناهض العنف والتطرف.
عاشرا:مد جسور التواصل والتشبيك بين المؤسسات المجتمعية المتنوعة من أجل العمل علي دعم وترسيخ منظومة القيم الإيجابية في مجتمعاتنا العربية.