استهلت وطني الأسبوع الماضي عامها الثاني والستين, وفي غضون يومين نستقبل العام الجديد 2020 حيث نخطو بكل عزم وتفاؤل وأمل نحو غد أفضل يسود فيه الاستقرار والنمو والرخاء, وتنعم مصرنا بالسلام, وسائر شرائح أهلها بالمواطنة والمساواة وعدم التمييز.
استعرضت الأسبوع الماضي كشف حساب العام المنصرم فيما يخص ما تناولته في ملف الأمور المسكوت عنها من القضايا ذات الطابع القبطي التي لم نفرغ منها ونحملها معنا إلي العام الجديد.. واليوم استعرض في الإطار نفسه القضايا ذات الطابع السياسي والعام وهي:
** الإصلاح الحزبي في مصر: هذه قضية أنا مثقل بها وآليت علي نفسي ألا أتركها, وكتبت عنها منذ عام 2017 حينما تأكد للكافة أن الخريطة الحزبية في مصر في ظل حرية تأسيس الأحزاب دون أية ضوابط اتسعت وتمددت حتي تشرذمت وتجاوز عدد الأحزاب السياسية فيها المائة حزب, النذر اليسير منها أحزاب لها تاريخ ولها عضوية ولها إسهام في العمل السياسي بينما الأغلبية أحزاب كرتونية هشة لم تتجاوز إجراءات التأسيس ولا وجود لها في الشارع, والدليل نتائج الانتخابات البرلمانية التي شهدت تمثيلا حزبيا في مقاعد البرلمان موزعا علي ما يقرب من عشرة أحزاب, أما باقي المائة فليست سوي عدد أجوف يشار إليه عند الزهو بحرية تأسيس الأحزاب.. وعبثا نادي الكثيرون بالعمل علي إصلاح الخريطة الحزبية لتكوين كتل سياسية قوية وفاعلة لها برامج حزبية محددة وتتمتع بعضوية حزبية متسعة تتواصل من خلالها مع الجماهير وتفرز شخصيات قيادية وشبابية واعدة تتنافس علي مقاعد الأغلبية والمعارضة, إلا أن الواقع علي مدي السنوات الثلاث الماضية لم يشهد تحركا إيجابيا في هذا الاتجاه.. ونحن بدورنا في وطني تواصلنا أكثر من مرة مع الأحزاب الفاعلة في الساحة بعقد جلسات نقاشية ضمن فعاليات صالون وطني حيث طرحنا فكرة الاندماج الحزبي لخلق ما لا يتجاوز خمس كتل سياسية تصطف فيها الأحزاب بناء علي انتماءاتها السياسية وتوجهاتها: كتلة اليمين, كتلة يمين الوسط, كتلة الوسط, كتلة يسار الوسط, كتلة اليسار, ويكون ذلك طواعية بين الأحزاب إما بالاندماج أو بالائتلاف, وكان هناك ترحيب جاد من المشاركين, لكن ظلت الجهود المبذولة من أجل إدراك ذلك محدودة ونتائجها غير ملموسة.. ولا أظن إطلاقا أن بقاء الوضع علي ما هو عليه ينبئ بأي تقدم في الحياة السياسية أو الديمقراطية, وقد تساءلت في ختام آخر ما كتبت في هذا الشأن وكان بتاريخ 3 فبراير من هذا العام: هل يأتي الإصلاح الحزبي طوعا من جانب الأحزاب؟.. أم يأتي تشريعا من جانب البرلمان؟.. أم ينتظر تدخل رئيس الجمهورية لإدراكه؟
وإذا كنت في السطور السابقة عرضت تصوري للإصلاح الحزبي طوعا من جانب الأحزاب, دعوني أعرض تصوري للإصلاح الحزبي تشريعا من جانب البرلمان.. ففي ظل الحرية غير المقيدة التي تعمل من خلالها لجنة شئون الأحزاب تتأهل أية مجموعة من الشخصيات الراغبة في تأسيس حزب سياسي من خلال الإفصاح عن توجهها وبرنامجها الحزبيين بالإضافة إلي باقي العناصر الشكلية مثل مقر الحزب ومؤهلات المؤسسين إلي غير ذلك من الاشتراطات, لكن لا توجد ضوابط بخصوص التيار السياسي الذي ينتمي إليه برنامج الحزب ولا توجد معايير لقياس العضوية الحزبية واستحقاق الحزب للعمل وسط الجماهير, ولا حتي توجد آليات لمراجعة نشاط الحزب وتقييم أدائه بصفة دورية للتحقق من استمرار فاعليته, كما لا توجد رؤية لمراجعة مكاسب الحزب في الانتخابات وما يحصده من مقاعد لتصنيفه بين الأحزاب الحية أو الأحزاب الميتة.. جميع هذه العناصر باتت الحاجة ملحة لأن تنظر السلطة التشريعية في إصدار ضوابط بشأنها يتم من خلالها ترشيد العمل الحزبي وترسيخ استحقاقه بناء علي الهوية السياسية والعضوية الجماهيرية والإنجاز الانتخابي.
ولعل البرلمان يأتي في صدارة المؤسسات التي تعي حتمية العمل علي مثل ذلك الإصلاح التشريعي, فالبرلمان بما له من دور تشريعي ودور رقابي ودور ديمقراطي يدرك إلحاح العناية بملف الإصلاح الحزبي كما يمتلك الأدوات التي تكفل له تحقيق ذلك.
أما آخر ما طرحته من احتمالات لإدراك الإصلاح الحزبي فكان تدخل رئيس الجمهورية, وأنا أستشهد في هذا الإطار بما قاله الرئيس السيسي في مايو 2017 في معرض حديثه لرؤساء تحرير الصحف القومية عندما قال: دعوت أكثر من مرة إلي اندماجات بين الأحزاب المتشابهة في برامجها وتوجهاتها السياسية من أجل خلق أكثر من حزب قوي لتسهم الخريطة الحزبية في تفريخ الكوادر المؤهلة لتداول السلطة, وأتمني أن نري الأحزاب ذات الأيديولوجيات المتشابهة تسعي نحو التنسيق فيما بينها للاندماج… هذا ما عبر عنه رئيس الجمهورية, فإذا ما تقاعست الأحزاب عن إدراك ذلك طوعا, وإذا ما حالت أعباء البرلمان دون التصدي لذلك بمبادرة تلقائية, تظل هناك سلطات الرئيس التي تسمح له بإرسال تكليف تشريعي أو مشروع قانون للحكومة أو لمجلس النواب لبلوغ الإصلاح الحزبي المنشود.