يحثنا السيد المسيح قائلا: ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ وماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه؟ متي16:26. ما أكثر الذين يعيشون علي هذه الأرض من أجل ذاتهم فقط, حتي أنهم لايتذكرون الله خالقهم! وما أكثر الذين يحصرون اهتمامهم في الحياة الأرضية فقط دون النظر إلي الحياة الأبدية!..
كتب علي قبر قديم في ساحة إحدي الكنائس بإنجلترا: تذكر أن الإنسان زائل! كما أنت الآن حي, كنت أنا كذلك, وكما أنا الآن ميت, كذلك ستموت أنت أيضا! فهييء نفسك لتتبعني من اليسير أن نحيا في هذه الدنيا بلا هدف, دون التأمل والتفكير في الحياة الأبدية التي لابد منها شئنا أم أبينا, ومصير كل واحد منا يتوقف علي أعماله سواء كانت خيرة أو شريرة, وسينال كل واحد إما الحياة الأبدية أو الشقاء الأبدي, لذلك يجب أن نعيش علي هذه الأرض دون أن ننسي الآخرة, كما يجب علينا أن نضع الله خالقنا نصب أعينا مهما كانت مشغولياتنا واهتماماتنا, لأننا مسافرون نحو الأبدية, إذا طرحنا علي كل شخص هذا السؤال: ما أهم شيء بالنسبة لك في هذه الحياة؟ ستكون الإجابة كالآتي’ النجاح مركز مرموق في المجتمع, الزواج وتأمين مستقبل الأبناء, الغني والصحة والستر, وأشياء أخري…
مما لاشك فيه أن كل هذه الأمور مهمة وضرورية, ولكن يجب علينا أيضا أن نستعد للساعة التي لا نعلمها, لأن الموت يأتي في كل لحظة, وكم من الأشخاص الذين فقدناهم, حتي أن الذهول جعلنا لانصدق هذا! كل يوم يموت ملايين من البشر, فما المانع أن يكون أحدنا من جملة هؤلاء اليوم أو غدا؟ من يستطيع أن يجزم بأنه يصل إلي نهاية النهار الذي بدأه؟ من ذا الذي يثق في أن يستيقظ من نومه؟ ليس المقصود من هذه الأفكار أن تقلقنا أو تزعجنا, بل لنصل إلي الحكمة التي بها نعيش علي هذه الأرض رغم مشغولياتنا دون إهمال العناية والاستعداد لآخرتنا, وكما يقول داود النبي في المزمور: علمنا يارب أن نحصي أيامنا فتبلغ الحكمة قلوبنا 89:12 نجد في كل بيت بمقاطعة سافوي لوحة مكتوب عليها: افهم جيدا قوة هذه الكلمات: الله والدقيقة والأبدية, الله الذي يراك وقلما تعبده, الدقيقة التي تهرب منك ولا تنتفع منها إلا قليلا, الأبدية التي تنتظرك وبطياشة تخاطر بها
فالإنسان الحكيم والفطن يعرف كيف يقضي حياته علي الأرض في أعمال الخير والبر ومخافة الله ومحبة الناس, لأن الله سيطلب منا حسابا عما فعلنا علي هذه الأرض, لأنه خلقنا من أجل تحقيق هذا الهدف, كل من يعيش حياته اليومية ويضع نصب عينيه فكرة الموت, لن يخسر أبدا, لأنها تجعله يسعي في عمل الخير, ويستثمر الوقت فيما هو نافع, ويتجنب ما يهين الله, ولايصبح عبدا للملذات الأرضية, مما لاشك فيه أننا نعلم أن حياتنا قصيرة, وأفضل مقياس لها, القيام بالأعمال الصالحة والخيرة, فالموت يزيل هذه الحياة وأباطيلها, ولن يبقي سوي ما أتيناه من خير في سبيل الله والآخرين, وهذا كله يجعلنا لانخاف ساعة الموت, بل نشعر برضي القلب في هذه الحياة, والطمأنينة والسكينة ساعة الموت, الموت لابد آت, ولن نسأل لماذا متنا, ولكن في سبيل أي هدف متنا ونقرأ هذا الحوار
في رواية للكاتب هنري بوردو تحت عنوان العيون التي تنفتح : لايا صديقي! عيناك لم تنفتحا بعد! – أعيناي أنا؟!- نعم, أنت! لأن الغالبية العظمي من الناس, لايفتحون عيونهم إلا مرة واحدة! في الحياة! إلا مرة واحدة؟! نعم مرة واحدة ! عند ساعة الموت! أي بعد فوات الأوان هذه هي حال الذين لا يفكرون في الله الذي خلقهم ليعبدوه, ولا بالآخر الذي جعله الله علي طريقهم ليحبوه ويعطفوا عليه, لكنهم يتعبدون للمال فقط, حتي أنهم يضعونه مكان الله في حياتهم, كما أن قلوبهم تتحجر نحو الغير, وعندما تصل ساعة الموت فجأة, تنفتح عيونهم بعد فوات الأوان, ويبدأون في الإدراك بأنهم كانوا في وهم نتيجة تعلقهم بالمال والخيرات الأرضية دون النظر إلي الله والاهتمام بالآخرين, هل نحن في انتظار كارثة تحل بنا حتي توقظنا من غفلتنا, فنعود إلي الله الذي أهملناه والأخ الذي تركناه؟ ونختم بكلمات فيلسوف الصين كونفوشيوس: ما أشقي الإنسان الذي يملأ بطنه طوال اليوم, دون أن يجهد عقله في شئ يفيد روحه والغير… مثل هذا الإنسان وباء!.