يحثتا القديس بولس الرسول في العلاقات الأسرية السليمة بالقول:أيها الأبناء,اطيعوا والديكم في الرب….وأنتم أيها الآباء,لاتغيظوا أبناءكم,بل أدبوهم بتأديب الرب ووعظه(أفسس6:1-4).نحن نعيش عصرا مختلفا في العلاقات الأسرية التي تفتت لأسباب عديدة وخاصة نتيجة الالتجاء للتكنولوجيا الحديثة بكل وسائلها وعدم الاكتراث الآخرين.
ولكننا الآن أمام مثال رائع في تربية الأبناء وبطلته هي أم حزن قلبها حزنا شديدا عندما طرد ابنها من المدرسة,فذهبت إلي مدرس مادة الرياضيات الذي تسبب في ذلك,ثم قالت له بعاطفة الأمومة المتألمة:إن في رأس طفلي من الذكاء أكثر مما في رأسك ورؤوس جميع المدرسين.وعادت إلي منزلها لتتولي بنفسها تعليم ابنها,فعكفت علي تنوير ذهنه,وتهذيب مخيلته,وإرهاف حسه,بكل ما تمنحه إياها الأمومة من تضحية وصبر وحب,وبكل ما لها من خبرة في مهنة التدريس التي زاولتها بعد الزواج.كما أنها حرصت كل الحرص علي تلقينه سير المخترعين وعظماء الرجال,ومرت السنون بسرعة,وما إن بلغ ابنها وأصبح رجلا حتي خلد اسمه بمئات الاختراعات التي أفادت البشرية جمعاء,إنه العبقري العظيم توماس إديسون.ومن الغريب ما قاله عنه المعلمون حين قرروا طرده:إما أن يكون عبقريا أو مجنونا.ولكن أمه مثل كل أم واعية هي خلاقة صنعت منه عبقريا,حتي أن إديسون كتب عن أمه:لو لم تكن هذه المرأة أمي,لكانت تغيرت حياتي تماما,فهي علة وجودي بعد الله وخالقه كياني.
لولاها ما رأيت نور الوجود,ولا تعلمت ولا أصبحت ما أنا عليه,فهي خالقتي بعد ربي,وكانت مدرستي وملهمتي,وأنا من أجلها درست وعملت وتفوقت وعشت لأقدم لها وللإنسانية عصارة فكري ونشاطي ونجاحي.لذلك فالتربية السليمة والصحية للآباء والأمهات تترك أثرا عميقا في نفوس أبنائهم لن تمحه الأيام,بل يجعلهم يسلكون دوما ويسيرون في الطريق المستقيم طوال أيام حياتهم كما أنها تغمرهم بالأخلاق الحميدة والأدب والرقي والاحترام للآخرين والذكاء والنبوغ.وكما يقولوم أن أطفال العالم متشابهون جميعا في مستقبل أطفالهم,ولن تمحي أبدا آثار تقواهم ومحبتهم المتبادلة ورهافة ضميرهم والتحلي بالصدق والاستقامة مهما تغيرت والديهوليست التربية مقتصرة علي الوالدين فقط,وإنما المعلمين والمربيين فكل واحد منهم يعتبر والدا ثانيا لتلاميذه,فهو والد قلوبهم وأوراحهم,فطوبي لهؤلاء الطلبة والطالبات الذين أنعمت عليهم السماء بمربي يتمتع بالخلق والاحترام.
كما يجب علي الآباء والأمهات أن يزرعوا في أولادهم الطموح والكفاح والسعي الدائم,والإحساس بالحق والخير والجمال,وهنا سيدرك الأبناء بأن حياتهم علي الأرض ليست مقتصرة علي الطعام والشراب,ولكن ليعيشوا بأوراحهم وقلوبهم لأنهم خلقوا علي صورة الله ومثاله في الخير والحق والجمال,وهنا سيدرك الأبناء بأن حياتهم علي الأرض ليست مقتصرة علي الطعام والشراب ولكن ليعيشوا بأرواحهم وقلوبهم لأنهم خلقوا علي صورة الله ومثاله في الخير والحق والجمال.ما أروع الأهل الذين يساعدون أبناءهم علي التحلي بروح صافية تناجي السماء,وقلب إنساني ينبض بعواطف النبل يعطفون به علي أخوتهم بني البشر,وعقل يغذونه بالعلم والثقافة,وصفات كريمة يفيدون بها من حولهم والمجتمع الذين يعيشون فيه,فتربية الآباء والأمهات السليمة تساعد أبناءهم علي ترك أثرا عميقا في حياتهم بالعمل البناء والرسالة الناجحة,كما أنهم يستطعيون أن يلعبوا دورا مؤثرا في مصير بلادهم,ويصبحون أشخاصا حاملي العلم الذي يحلق علي الهامات بالأفكار والتصرفات الحميدة والتقوي,خلاف ذلك سيكونون جاحدين تجاه عائلتهم ومدرستهم وكما يقول أحد الشعراء:
هيا احصدوا وانشدوا!الحب قلب ويد!والعمر زرع وجني!
إذا لماذا لايعودون الآباء والأمهات أبناءهم علي حب الطبيعة واحترامها,حتي يستطيعون تجميل بلادهم بالشجر والورود والخضرة,ولاتمتد يدهم لاقتلاع نبته أو غرسه؟لأنه يوجد جمال يفوق جمال الطبيعة وهو أخلاق الإنسان الذي يحترم الآخرين والمخلوقات.وكما يقول السيد المسيح:كذلك علي شجرة طيبة تثمر ثمارا طيبة,والشجرة الخبيثة تثمر ثمارا خبيثة(متي7:17).إذا فالمحيط العائلي له تأثير شديد علي عقلية وتصرفات الأبناء لذلك يجب علي الآباء أن يعتبروا الأسرة مكانا مقدسا ونختم بالقول المأثور:تكون الأم عدوا والأب ظالما إذا لم يربيا أبناءهما تربية صحيحة.