للكاتب والإعلامي والباحث الكبير الأستاذ أديب نجيب سلامة (1948 ـ 2004م) مكانة كبيرة في قلبي, وفي قلب كل من اقترب منه وتعامل معه, فقد كان واسع الثقافة غزير المعرفة والعلم, ولم يكن يبخل بتقديم النصيحة للآخرين.
عرفته في جريدة (الراية المصرية) التي أصدرها الكاتب الصحفي الكبير الأستاذ ماجدعطية ـ أمد الله في عمره, في أواخر التسعينيات من القرن الماضي, وكان الأستاذ أديب مسئولا عن مركز المعلومات والأرشيف بالجريدة, كنت وقتها طالبا في قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة, أستمتع مع أصدقائي سامح وصالح سامي وجوزيف وهبة وغيرهم عند الحوار معه للاستفادة من خبراته الصحفية ومعلوماته التاريخية, وفي مرحلة لاحقة كنت ألقاه في مكتبه بمقر الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية بالنزهة الجديدة, حين بدأت أعد رسالتي للماجستير حول صحافة الأقباط وموقفها من قضايا المجتمع المصري من 1877م إلي 1930م بكلية الإعلام جامعة القاهرة تحت إشراف أستاذتي د. عواطف عبدالرحمن, وكانت بعض مؤلفات الأستاذ أديب مهمة ومفيدة ونافعة في هذا الشأن, خاصة وأنه كاتب وباحث متخصص في تاريخ الكنيسة والمسيحيين في مصر والشرق الأوسط.
كنا نحار في أمره, فهو قريب من الجميع ويخدم الجميع, تجده في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية, كما تجده في الكنيستين الإنجيلية والكاثوليكية, إضافة إلي عمله في مجلس كنائس الشرق الأوسط ومجلس الكنائس العالمي, كما كان يرتبط بعلاقات جيدة وصلات طيبة مع القيادات الدينية, المسيحية والإسلامية المصرية والعربية والدولية, وقد زالت حيرتنا حين أدركنا أنه عاش حياته وكرسها من أجل خدمة الله ومنفعة الإنسان.
ولد أديب نجيب سلامة في 16 سبتمبر 1948م بمدينة الزقازيق, وحصل علي بكالوريوس الزراعة من جامعة عين شمس عام 1973م, ثم حصل علي دبلوم عال في الصحافة من كلية الإعلام عام 1979م, ودبلوم عال في الآثار من معهد الدراسات القبطية الذي يتبع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية عام 1987م, واجتاز دراسات متخصصة في الصحافة والإعلام في القاهرة عامي 1975م و1979م وفي قبرص عام 1991م.
شغل موقع المنسق الإعلامي بالهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية, وهو الموقع الذي شغله من بعده أخوه الأستاذ نبيل نجيب سلامه الذي رحل عن دنيانا منذ سنوات قليلة, كما شغل الأستاذ أديب موقع المحرر المسئول عن تحرير مجلة (رسالة النور) ونشرة (التنمية من أجل مصر) وسكرتير تحرير مجلة (أجنحة النسور) وهي مجموعة دوريات تصدر عن الهيئة القبطية الإنجيلية, وشغل موقع رئيس مجلس الإدارة ومدير تحرير مجلة (الهدي) التي تصدر عن لجنة الإعلام بسنودس النيل الإنجيلي, والنائب الأول لرئيس الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة بالشرق الأوسط, ومنسق الإعلام بمكتب مجلس كنائس الشرق الأوسط بالقاهرة, كما كان عضوا بلجنة الإعلام التابعة لمجلس الكنائس العالمي بجنيف, وعضوا باللجنة القومية للمنظمات غير الحكومية منتدي مصر والسودان.
كان له دور مهم وفعال في إثراء الحوار الإسلامي ـ المسيحي, من خلال عضويته النشطة في الفريق العربي للحوار ببيروت, ومنتدي حوار الثقافات بالهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية واللجنة المصرية للعدالة والسلام بالكنيسة القبطية الكاثوليكية.
للأستاذ أديب نجيب سلامة العديد من المؤلفات التي أثرت المكتبتين المصرية والعربية منها مثلا لا حصرا: العائلة المقدسة في مصر, المسيحي والوطن, الكنيسة في مجتمع القرية, المسيحية في مصر منذ القرن الأول وحتي منتصف القرن التاسع عشر, المسيحية في مصر والقرن التاسع عشر, دراسات في تاريخ الكنيسة الإنجيلية في الشرق الأوسط, تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في القرن العشرين, تاريخ الكنيسة الكاثوليكية في مصر, تاريخ الآباء الفرنسيسكان في مصر, كما أن له العديد من المقالات والدراسات التي نشرت في عدد من كبريات الصحف المصرية والعربية والدولية.
وفي شهر ديسمبر المقبل يمر خمسة عشر عاما علي رحيل الأستاذ أديب نجيب سلامة, ولعلها تكون فرصة مناسبة لإعادة نشر بعض مؤلفاته, وهي دعوة أقدمها لمكتبة دار الثقافة ومكتبة أسقفية الشباب والمركز الثقافي القبطي, بالإضافة إلي لجنة النشر بالمجلس الأعلي للثقافة والهيئة المصرية العامة للكتاب والهيئة العامة لقصور الثقافة, من أجل إحياء ذكري رجل طيب وباحث أمين عاش حياته وكرسها في خدمة الله والإنسان.
ولعلي أختتم هنا بما كتبه ابنه, الأخ والصديق العزيز د. شادي أديب سلامة مدرس التصميمات الزخرفية بكلية التربية الفنية جامعة حلوان, في كتاب تذكاري صدر بعد رحيل الأستاذ أديب, إذ كتب يقول عن والده: كيف كان يحمل هذا الكم من التواضع؟! كيف كان يفضل العلم والبحث والدراسة والعمل المجتمعي والتطوعي علي أي شيء ؟! كيف أحبه الجميع؟! وكيف أحب الجميع؟! كيف زرع فينا كأسرة كل تلك القيم؟! لا أدري كيف ولا أعلم إجابة لكل هذه التساؤلات, ولكني أعلم فقط أنه أبي, من أحبني وأحب الجميع من أجل رسالة آمن بها.
ومما كتبه الأستاذ نبيل نجيب سلامة عن أخيه: لم يكن وداعه وداع إنسان عزيز رحل عن عالمنا, بل كان وداعا لشخص غير عادي, حمل علي عاتقه أمانة الكلمة علي مدي أكثر من أربعة عقود من الزمان, عاشها بين أوراقه وكتبه, حمل قلمه وسطر به مئات الدرسات والأبحاث وعشرات الكتب والمراجع التي تفخر بها المكتبة المسيحية, ليس في مصر وحدها بل في الشرق الأوسط.