تعتبر سواحل الخليج العربي ومنطقة بحر العرب من أهم المناطق الاستراتيجية ليس فقط لأنها تحتوي علي أكبر الاحتياطيات من البترول الخام والذي تعدلت حساباته إلي أن وصل إلي 67% من الاحتياطيات العالمية وتلك النسبة تتركز في سواحل المملكة العربية السعودية بالجزء الأكبر ثم تليها الكويت والعراق وإيران والإمارات والبحرين وسلطنة عمان وقطر بينما زادت الأطماع أكثر فأكثر بعد ظهور الغاز الطبيعي بكثرة لدي الساحل الشمالي الغربي حيث وصلت تلك المنطقة إلي ثاني احتياطي عالمي.
ومضيق هرمز أحد الممرات الرئيسية الخمسة حول العالم التي تستخدم في نقل النفط من خلال الناقلات العملاقة ويمر عبره خمس استهلاك النفط العالمي ما بين 13 إلي 15 مليون برميل يوميا من منتجي النفط الخام في الشرق الأوسط إلي الأسواق الرئيسية في آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية وخارجها. ويفصل الممر المائي الضيق إيران عن شبه الجزيرة العربية, وعلي وجه التحديد يمر عبر المضيق نحو 80% من النفط السعودي, والعراقي, والإماراتي, والكويتي, وحوالي 20% من النفط الإيراني في طريق التصدير إلي دول مثل الصين, واليابان, وكوريا الجنوبية, والهند, وسنغافورة.
وبشكل عام, ينقل عبر مضيق هرمز نحو 40% من الإنتاج العالمي من النفط الخام المنقول بحرا, وهو ما يمثل أكثر من 20% من الإنتاج العالمي من النفط, وتعبره يوميا ما بين 20 و30 ناقلة, بحمولة تتراوح بين 16.5 و17 مليون طن, بمعدل ناقلة نفط كل 6 دقائق في ساعات الذروة.
وتتزايد التوترات بالمضيق من وقت إلي آخر بسبب التعنتات الإيرانية والتضييق الأمريكي للأسطول الخامس في المحيط الهندي وازداد الموقف سوءا منذ أن تعرضت محطتا ضخ لخط أنابيب رئيسي في السعودية إلي هجوم بطائرات من دون طيار خلال شهر مايو الماضي ما أدي إلي إيقاف ضخ النفط فيه, في تصعيد للتوترات في المنطقة يأتي بعد يومين علي تعرض أربع سفن بينها ثلاث ناقلات نفط لعمليات تخريبية قبالة الإمارات العربية الشقيقة واعتبرت دول مجلس التعاون الخليجي ما وقع مؤخرا في الخليج العربي لا يستهدف المملكة فحسب, وإنما تستهدف أمان إمدادات الطاقة للعالم والاقتصاد العالمي.
ولم تكن هذه هي المرة الوحيدة التي تعرضت فيها ناقلات النفط العربية إلي التخريب, فهناك إحصائية نشرها أحد المراكز البحثية وهو مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة (مركز بحثي مستقل تم تأسيسه عام 2009), العام الماضي, تبين أن مضيق هرمز حدث فيه خلال ثلاث سنوات فقط 72 حادثا بين عامي 2015 و2017. وبحسب الإحصائية كان الطرف الأساسي في كل حادث هو الجانب الإيراني, ففي عام 2015 شهد مضيق هرمز 22 حادثا, وفي عام 2016 بلغ عدد الحوادث 36 حادثا, بينما في عام 2017 بلغ عدد الحوادث 14 حادثا.
وعلي أثره تحركت حاملة الطائرات الأمريكية لينكولين إلي الخليج بعدما شرح مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون أن كل الدلائل تشير إلي الألغام البحرية الإيرانية وكذلك الطائرات بدون طيار التي يستخدمها الحوثيون ومع تطبيق قرار الرئيس الأمريكي ترامب بتطبيق العقوبات الاقتصادية علي طهران والذي سوف يزيد من الصعوبات الاقتصادية التي سوف تواجهها كل دول النفط داخل بحر العرب قد يكون الخاسر الأكبر ظاهريا هو إيران في ظل الاعتماد علي النفط كمصدر رئيسي للتدفقات الأجنبية ولكن إيران لها كثير من البدائل التي زادت من خبرتها خلال فترات العقوبات السابقة التي ظلت أكثر من 15 سنة.
ولكن من المؤكد أن الاقتصادات العربية سوف تتأثر أيضا ولذا فإن السعوية أكبر مصدر للنفط بالعالم تقود تحالفا يضم الإمارات والولايات المتحدة, للحفاظ علي توازن الأسواق النفطية بعد التطبيق الكامل للعقوبات الأمريكية ضد إيران, كما أن الإمارات عضو مع السعودية في التحالف العسكري الداعم للقوات الحكومية في اليمن في معاركها مع الحوثيين المتهمين بتلقي دعم عسكري من إيران.
أما بالنسبة للدول العربية والبدائل المطروحة لها بعيدا عن مضيق هرمز فلدي السعودية خط أنابيب بترولاين بسعة 5 ملايين برميل يوميا, وهناك خطط لزيادته لـ6.5 مليون برميل ويمتد مسار بترولاين إلي مدينة ينبع علي البحر الأحمر, ويوفر إمدادات إلي أوروبا والولايات المتحدة. فيما يمتد أنبوب المعيجز (المشهور بالمعجز) نحو 1200 كم لنقل البترول الخام من أبقيق علي الساحل الشرقي إلي رصيف المعيجز حوالي 10كم جنوب ميناء ينبع علي البحر الأحمر (الساحل الغربي).
ويبلغ إجمالي الطاقة الحالية لشحن وتصدير البترول في السعودية نحو 13.2 مليون برميل في اليوم موزعة علي أرصفة موانئ تصدير البترول الثلاثة (رأس تنورة, والجميعة, وينبع). وسترتفع طاقة الشحن والتصدير إلي 15 مليون برميل بعد تشغيل المعيجز في ميناء ينبع الجنوبي.
كما أن هناك خط أنابيب العراق- تركيا ويمكن الاعتماد عليه في نقل النفط الخليجي, ويربط بين شمال العراق وتركيا وصولا إلي ميناء جيهان التركي علي البحر المتوسط, لكن بعد تشغيل خط الأنابيب الاستراتيجي بين شمال العراق وجنوبه, مع العلم أن خط أنابيب العراق- تركيا هو ثاني خط أنايب نفطي كبير الحجم تم تطويره لكي يتمكن العراق من تصدير أكثر من مليون برميل من النفط الخام يوميا إلي منطقة المتوسط, وقد وقعت الدولتان اتفاقية خط الأنابيب عام 1973.
وأما بالنسبة للإمارات العربية فإن هناك خط أنابيب حبشان الفجيرة, ويربط بين إمارتي أبوظبي وميناء الفجيرة, بامتداد 370 كليومترا وستكون له القدرة علي ضخ ما بين 1.5 إلي 1.8 مليون برميل من النفط يوميا, وهو ما يعني إمكانية نقل 70% من إنتاج الإمارات عن طريق هذا الخطأ.
ويبقي السؤال: هل الخطوط الأرضية لأنابيب النفط العربية مؤمنة حتي يمكن التأكد من سلامة بيع النفط ودون اللجوء إلي تخزين النفط في اليابان أو حتي في الصين أو حتي وضعه داخل خزانات السفن العملاقة؟ والإجابة كل ذلك مكلف للغاية ولا يخلو من العمليات الإرهابية سواء الحوثيون أو الإيرانيون أو عمليات استخباراتية مستهدفة للبنية التحتية من الموانئ في البحر الأحمر.
ويبقي الاقتراح الذي أسرده أن يكون الحل الأمثل هو تجميع النفط العربي لكل من العراق والكويت والبحرين والإمارات وسلطنة عمان عبر الجهة الشرقية من المملكة في الدمام والمرور داخل الأراضي السعودية إلي تبوك وربطها عبر خط قصير بحري لا يتعدي 3 كيلومترات أو من خلال جسر الملك سلمان إلي داخل الأراضي المصرية امتدادا لمسارات خطوط سوميد العربية إلي مناطق سيدي كرير وربطها من خلال الموانئ المصرية أو من خلال خطوط الربط الأرضي المستقبلية مع اليونان وقبرص..
وإلي تكملة قادمة..
[email protected]