أتم الله عمله خالقا في ستة أيام, فأصبح الرقم 6 رمزا لإتمام العمل, واستراح الله في اليوم السابع, وصارت السبعة أيام التي هي كمال مرحلة زمنية, رمزا للكمال.
فماذا نقول إذن عن الرقم 8 سوي أنه بداية لمرحلة جديدة, لأسبوع جديد.
وهكذا أصبح الرقم 8 ثمانية رمزا لبداية جديدة.
وهذا ما سنعرضه في هذا المقال, بأمثلة عديدة في الكتاب المقدس.
1- إن كان الرقم 7 مثلا يرمز إلي كمال الحياة, فيكون الرقم 8 هو رمز لبداية حياة جديدة, ربما انتهاء الحياة الأولي بالموت.
وهكذا يمكن أن يكون الرقم 8 رمزا للقيامة, وهي بداية حياة جديدة.
وهذا ما حدث في قيامة السيد المسيح, قام في اليوم الثامن, أي في بداية أسبوع جديد, بعد أسبوع من المحاكمة والموت والصلب والدفن.
ومما يستلفت النظر في أمر القيامة هذه, أن الكتاب لم يذكر لنا بالاسم سوي ثماني معجزات من إقامة الأموات:
السيد المسيح أقام ثلاثة: ابنة يايرس, وابن أرملة نايين, ولعازر.
مع معجزتين من الرسل: القديس بطرس أقام طابيثا والقديس بولس أقام أفتيخوس.
وثلاث معجزات في العهد القديم: إيليا النبي أقام ابن أرملة صرفة صيدا (1مل), وأليشع النبي أقام ابن الشونمية, وميت قام بواسطة عظام أليشع.
فيكون مجموع هؤلاء ثمانية, قاموا من الموت, وبدأوا حياة جديدة.
+ + +
2- وبداية عهد جديد في الحياة مع الله, كانت بعلامة الختان.
والختان كان في اليوم الثامن من ولادة الطفل (تك17:9-12).
وبه كان يبدأ عهدا مع الله, ويبدأ أن يكون عضوا في جماعة الله أي من رعيته وشعبه, ويرمز الختان إلي المعمودية في العهد الجديد (كو2:11, 12), وهي بداية الانضمام إلي شعب الله وإلي عضوية كنيسته.
+ + +
3- لقد أهلك الله العالم بالطوفان, وأراد أ يبدأ بجماعة جديدة تخلف هؤلاء الذين هلكوا وغرقوا بالطوفان.
وكانت البداية الجديدة بثماني أنفس في الفلك (1بط3:20)
وهم نوح وزوجته, وأولاده الثلاثة وزوجاتهم.
+ + +
4- ولما دب الفساد في أولاد نوح, كما دب من قبل في أولاد آدم, وأراد الله أن يبدأ بداية جديدة, بدأها بأبينا إبراهيم.
أبونا إبراهيم الذي بدأ به الله بداية جديدة, كان له ثمانية أولاد.
إسحاق وإسماعيل, وستة أولاد من قطورة هم زمران, ويقشان, ومدان, ومديان, ويشباق, وشوح (تك25:1, 2).
وإسحاق الذي أخذ الوعد, ولد من سارة بعد موت أو فناء مستودعها (تك18:21), ولكنه بدأ ببداية جديدة, فكانت ولادة إسحاق.
+ + +
5- كان السيد المسيح ابن إبراهيم وابن إسحق, وكان ابن داود أيضا.
ونجد في اختيار داود مسيحا للرب, نفس قصة الرقم 8 أيضا.
أرسل الرب صموئيل النبي ليمسح واحدا من أولاد يسي البتلحمي, فأحضر يسي أولاده السبعة, ومررهم واحدا فواحدا أمام النبي العظيم ولكن الرب رفضهم جميعا وسأل صموئيل هل من ابن آخر, وأجاب: بقي بعد الصغير, وهوذا يرعي الغنم (1صم16:11).
وجاءوا بداود, الابن الثامن, لبدء عملية اختيار جديد, وكان هو مختار الرب ومسيحه.
مسحه صموئيل النبي, وحل عليه روح الرب, وبدأ به ملكا جديدا حسب اختيار الرب, بدلا من الملك المرفوض منه أعني شاول.
+ + +
6- نري الرقم 8 أيضا في موضوع الكهنوت.
كان الكهنوت قديما, قبل موسي وهارون, واضحا في رؤساء الآباء, أمثال نوح وإبراهيم وأيوب, وكان الرب يختار الأبكار ليكونوا له (خر13:2).
ثم أراد الرب بدء مرحلة جديدة, بكهنوت جديد, هو الكهنوت الهاروني.
ومادامت مرحلة جديدة, وكهنوتا جديدا سوف يبدأ, إذن يليق بذلك الرقم 8 فكيف كان ذلك, أحضر موسي هارون أخاه وبنيه, وجعلهم يقيمون في خيمة الاجتماع أسبوعا كاملا لا يخرجون من بابها (لا8:23), بإعدادات كثيرة صنعها لهم وردت في الإصحاح الثامن من سفر اللاويين, وماذا بعد؟
يقول الكتاب: وفي اليوم الثامن دعا موسي هارون وبنيه وشيوخ إسرائيل (لا9:1), وقال لهم: الرب اليوم يتراءي لكم (لا19:4). وأمر هارون ببدء عمله ككاهن بتقديم ذبيحة (لا9:7).
وبدأ هارون هذا الكهنوت الجديد في اليوم الثامن, وقدم ذبيحة الخطية وذبيحة المحرقة, ورفع يده وبارك الشعب (لا9:22).
وخرجت نار من عند الرب, وأحرقت المحرقة والشحم علي المذبح (لا9:24), وتراءي مجد الرب, وكان ذلك بدء مرحلة جديدة للكهنوت.
+ + +
7- ونلاحظ وجود الرقم 8 في موضوع الذبائح أيضا, كما ورد في سفر اللاويين إذ يقول الكتاب: متي ولد بقر أو غنم أو ماعز, يكون سبعة أيام تحت أمه, ثم من اليوم الثامن فصاعدا يرضي به قربان وقود للرب (لا22:27). ونفس الوصية في سفر الخروج (22:30).
انتهت مرحلة الرضاعة, وتبدأ مرحلة الصلاحية لتقديمه ذبيحة, وذلك من اليوم الثامن.
8- نذكر قصة الأحد الجديد, اليوم الثامن للقيامة وأهمية ذلك.
لم يستطع التلاميذ أن يتفهموا معجزة قيامة الرب, ولم يصدقوا ما قالته لهم مريم المجدلية ولا ما قاله تلميذا عمواس (مر16:9-13), وكذلك ما قالته النسوة: تراءي كلامهن لهم كالهذيان ولم يصدقوهن (لو24:11). وحتي مريم المجدلية أيضا ساورتها نفس الشكوك, وظنت أن البعض قد سرقوا الجسد, وقالت: أخذوا سيدي من القبر, ولسنا نعلم أين وضعوه (يو20:2). وكررت نفس القول مرتين أخريين (يو20:13, 15). وحتي لما ظهر الرب للتلاميذ جزعوا وخافوا, وظنوا أنهم نظروا روحا (لو24:37), ولذلك وبخهم الرب علي عدم إيمانهم بقيامة الجسد.
إنها مرحلة طويلة من الشك, وصلت قمتها عند توما الذي قال: إن لم أبصر في يديه أثر المسامير, وأضع أصبعي في أثر المسامير, وأضع يدي في جنبه, لا أؤمن (يو20:25).
ولكن انتهت مرحلة الشك هذه, وبدأت مرحلة جديدة من الإيمان, وذلك في اليوم الثامن.
كان ذلك يوم أحد توما, اليوم الثامن للقيامة ويبدأ يوحنا الإنجيلي هذا الحديث المهم بقوله: وبعد ثمانية أيام كان تلاميذه أيضا داخلا, وتوما معهم (يو20:26). وفي ذلك اليوم, ظهر الرب لهم, ورأي توما يديه وجنبه, وقال له: هات أصبعك.. وهات يدك وضعها في جنبي, ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنا, وآمن توما وصاح قائلا: ربي وإلهي (يو20:28), وانتهت مرحلة الشك عند الرسل إلي غير رجعة, وبدأت مرحلة قوية من الإيمان, إنها بداية جديدة في اليوم الثامن.
+ + +
9- والرقم 8 نجده أيضا في بدء تأسيس الكنيسة في يوم حلول الروح القدس.
كان ذلك في اليوم الخمسين, وماذا يعني اليوم الخمسين؟ وما علاقته بالرقم ثمانية؟
عيد الخمسين معروف في العهد القديم, وهو رمز للخمسين في العهد الجديد, وهكذا قال الرب في سفر اللاويين ثم تحسبون لكم من غد السبت.. سبعة أسابيع تكون كاملة, إلي غد السبت السابع تحسبون خمسين يوما, ثم تقربون تقدمة جديدة للرب (لا23:15, 16).
سبعة أسابيع تمضي, ويوم الخمسين هو بدء الأسبوع الثامن.
وفي بدء الأسبوع الثامن, في العهد الجديد كان تأسيس الكنيسة: كان حلول الروح القدس, ومعجزة الألسنة, وإيمان ثلاثة آلاف من اليهود وعمادهم (أع2:1-41), وهكذا ارتبط تأسيس الكنيسة أيضا بالرقم ثمانية, وبه بدأ عهد جديد من الكرازة والإيمان والشهادة للرب (أع1:8).
وبنفس المنطق والشرح يمكن تتبع رقم خمسين من جهة الزمن وارتباطه بالرقم ثمانية.
سواء سبعة أسابيع أيام يعقبها اليوم الخمسون, أو سبعة أسابيع سنين يعقبها العام الخمسون.
رقم سبعة يرمز في الأيام إلي الكمال وسبعة في سبعة أي 49 يرمز إلي كمال أكبر, تعقبه بداية مرحلة جديدة في الرقم خمسين.
+ + +
10- وهكذا كان عيد اليوبيل في العام الخمسين في العهد القديم.
ورد ذلك في سفر اللاويين, أصحاح 25, حيث قال الرب: وتعد لك سبعة سبوت سنين, سبع سنين سبع مرات, فتكون لك أيام السبعة سبوت السنوية تسعا وأربعين سنة.. وتقدسون السنة الخمسين, وتنادون بالعتق في الأرض لجميع سكانها, تكون لكم يوبيلا.. إنها يوبيل, مقدسة تكون لكم (لا25:8-12).
+ + +
11- أحداث أخري في التاريخ عن بدايات مهمة, ترتبط كذلك بالرقم ثمانية:
أتي يوشيا الملك بعد عهد سيء من عبادة الأصنام, فأعاد كل شئ للرب, وقيل عنه: وملك يوشيا وهو ابن ثماني سنين (2مل22:1), كعهد الختان في اليوم الثام, وكان حكمه بداية مشرقة في تاريخ الشعب.
كذلك حزقيا الملك الصالح, الذي أزال عبادة الأصنام, وطهر بيت الرب, قيل في ذلك:
وقدسوا بيت الرب في ثمانية أيام (2أي29:17), رمزا لهذا العهد الجديد.
+ + +
كلمة أخيرة مهمة أحب أن أضعها في ختام الحديث عن الرقم ثمانية:
12- فلنبحث رموز الرقم ثمانية في عيد المظال ثم ما يرمز إليه عيد المظال.