ما سبب وجود الرعاة في المذود أثناء ميلاد السيد المسيح؟جميعنا يعلم بأن لحظة ميلاد ملك أو أمير يتم دعوة الشخصيات المهمة والمميزة وصفوة المجتمع لحضور هذه المناسبة,ولكننا هنا أمام الطفل يسوع ملك الملوك الذي أراد أن يولد في مذود فقير وحوله أشد الناس فقرا,لذا نحن لا نستطيع أن نتخيل المذود بدون الرعاة الذين أعلن لهم الملاك الخبر للاحتفال بميلاد السيد المسيح,وهم أول من عرف الحدث وسيصبحون المبشرين بهذا الخبر السار وكما يقول الكتاب المقدس:وكان في تلك الناحية رعاة يبيتون في البرية,يتناوبون السهر في الليل علي رعيتهم…فقال لهم الملاك:لاتخافوا ها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون فرح الشعب كله:ولد لكم اليوم مخلص في مدينة داود وهو المسيح الرب…(لوقا2:8-12).
في ذلك الزمان كانت فئة الرعاة تعتبر من عداد الخاطئين,وليس المقصود بهذا من يخالف وصايا الله,ولكن من يمارس مهنة مهينة كما كانوا يعتبرونها في ذلك الوقت, لأنهم لم يكونوا علي مستوي دراسة التوراة وحفظها لكن الخبر السار أذيع لأناس جاهلة,فعندما أتي السيد المسيح لم يسلك الطريق الدبلوماسي,ولم يخبر العظماء,ولم يعلم السلطات المدنية أو ينبه كهنة الهيكل المهتمين بالأمور الدينية,لكنه تخطي نظام المناصب والمراتب,ولم يطلب مؤتمرا صحفيا ليعلن فيه عن هذا الحدث العظيم,ولم يرسل ملحقا دبلوماسيا ليخاطب الشعب عن برنامج الحفل,ولكنه اكتفي بالملاك السماوي ليخبر الرعاة البسطاء أثناء عملهم اليومي لم يولد السيد المسيح كطفل فقير فقط,ولكن كطفل من الرحالة المتواجدين علي هامش الحياة المدنية والدينية,والذين ينظر إليهم من القادة الدينيين كجهلة ومتوحشين وواجب الابتعاد عنهم.لذلك أراد السيد المسيح أن يعرف هؤلاء الخبر من الملاك,وهذه الطريقة الجديدة التي اتخذها ليغير معاييرنا وحساباتنا للأسبقية والأولوية,إذا لا ننتظر منه اتباع نظام المراتب والمناصب أو الحفاظ علي طقوس الاحتفال.
يريد أن يقلب كل شئ رأسا علي عقب,لأن العظماء بالنسبة له هم صغار وأصحاب الألقاب مجهولون,والآخرون يصبحون في المقدمة,والمهمشون يمسون المفضلين فالفقراء هم أول من يحتفلون بطقس الميلاد,وكما يقول القديس لوقا:فلما انصرف الملائكة عنهم إلي السماء قال الرعاة بعضهم لبعض:هلم بنا إلي بيت لحم,فنري ماحدث ذاك الذي أخبرنا به الرب وجاؤوا مسرعين…(لو2:15-16) فلن يتنازل الرعاة عن هذه الفرصة,وهؤلاء الرحالة الذين ينتقلون هنا وهناك,عرفوا الطريق الصحيح المؤدي إلي مكان الميلاد أناس بسطاء سيعرفون أشياء عظيمة ومذهلة, وكما يقول الكاتب الإيطالي Vivarelli:هؤلاء الرعاة هم كنيسة الفقراء,واللقاء الذي تم بين الطفل يسوع الذي لايتكلم وبين الرعاة الذين يقولون أشياء بسيطة,هو أول طقس لكنيسة المساكين.هؤلاء البسطاء عرفوا أشياء لاتدرس في الجامعات ولاتنشر في الكتب كما أنهم استخدموا لغة بسيطة استطاعوا بها أن يبهروا من كان يسمعهم من الممكن أن الحكماء والفلاسفة لا يستطيعون أن يبهروا الناس بكلامهم كما فعل هؤلاء البسطاء ياله من درس عظيم! لماذا نجد الرعاة في المذود؟
1) لأن وجودهم هو علامة تدل علي اهتمام الله بالبسطاء والمهمشين وقلب موازين العظمة كما نتخيلها نحن فالله لايهتم بلائحة المدعوين التي أعددناها لأنه يفضل حضور واقتراب الموجودين في الصفوف الأخيرة بالنسبة لنا وتواجد الفقراء والمحرومين من أي كرامة أو اعتبار في المجتمع كل هذا يختلف عن معاييرنا الموجودة في احتفالاتنا لأننا نعتبر العظماء هم الأولون حتي ولو وصلوا في النهاية,كما توجد مقاعد مخصصة لهم.
2) نصيحة هؤلاء الرعاة لنا هي ألا نعتبر أنفسنا مميزين عن الآخرين وألا نحتقر أحدا ونكف عن هذا التصنيف:فمن جهة نحن والصالحين والمواظبين والمقربين والمؤمنين ومن الجهة الأخري نجد ملكوت الأشرار والبعيدين والأعداء.لذلك فالرعاة يساعدوننا علي فهم الحقيقة وهي أن هناك أشخاصا ليس لهم كرامة ولا مكانة في المجتمع لكنهم هم المقربين للطفل المولود أكثر منا.
3) الرعاة يذكروننا بواجب قبول المختلفين عنا والمطرودين,ومن ليس لهم هوية والمهمشين والضعفاء,لذلك نطلب من الطفل المولود أن يغفر لنا ما نقوم به من تمييز عنصري تجاه الآخرين وعلينا أن نقترب من الطفل ونحن منكسي الرأس وكلنا خجل معترفين له:كم نحن بعيدون عنك بسبب تطلعاتنا لاستبعاد الآخرين والذي به ينتهي الأمر باستبعادنا نحن وسنجد أنفسنا خارج المذود ومن الممكن أن نطرد من الملكوت.
إذا أتي السيد المسيح ليحمل السلام والمحبة والمساواة بين الجميع واهتمامه الأول بمن هم مستبعدون منا كل عام ونحن جميعا بخير وسلام حفظ الله مصر من كل شر.