نحتفل بعيد الميلاد المجيد من الخامس والعشرين من ديسمبر حتي السابع من يناير في كل عام, ويجب علينا أن نتساءل: هل هذا العيد يحدث تغييرا لحياتنا عندما نحتفل به في محيط أسرتنا وأصدقائنا والمكان الذي نصلي فيه؟ من يستطيع أن ينكر أثر الاحتفال بهذا العيد علي العالم كله من موسيقي وديكورات وابتكارات متنوعة للزينة والمأكل والمشرب والملبس التي تلائم هذا الحدث؟ دعونا نتحدث معا عن أشكال هذا العيد:
أ) عيد الميلاد المبني علي التسوق: وفيه يدفعنا جميعا للإقبال علي الشراء حتي أصبحنا عبيدا للتجارة فيما يخص أجواء الميلاد المختلفة.
ب) عيد الميلاد الحسي المبني علي شعورنا بدنو هذا الحدث فقط.
ج) كما يوجد عيد الميلاد الذي يشغل بال الباحثين والمفكرين الذين يهتمون بشرح أصل هذا العيد فقط, وكل ما يتعلق به من زمان ومكان ومعاني الأحداث, ويحللون المجتمع الذي ولد فيه السيد المسيح وعادات وتقاليد هؤلاء الناس.
د) نجد أيضا عيد الميلاد الفلكلوري الذي يعتمد علي السعادة الشكلية لهذه المناسبة دون التعمق في روحانية الحدث.
كل هذه الأنواع المختلفة من مظاهر الاحتفال لا تمثل عيد الميلاد الحقيقي, لأن الهدف الجوهري لهذا العيد هو أن يعود علينا بالخير والسلام والتغيير الداخلي والخارجي في سلوكنا, وأن نحمل كل هذه المعاني للآخرين في كل مكان نحيا فيه أو تخطو أقدامنا نحوه, أتي السيد المسيح ليمنحنا الحب والتواضع والسلام ويطلب منا أن نعيشه يوما بعد يوم, وأن نبعد عنا كل حق وكراهية, كل هذه المعاني الثرية تختلف تماما عن الاحتفالات الشكلية, ولا ننكر أن أصحاب الاحتفال لم يعلموا بالتفاصيل كما يحدث في عالم اليوم, فالعذارء مريم والقديس يوسف لم يتخيلا كيف سيكون هذا اليوم؟, كما أن الرعاة وهيرودس الملك لم يتوقعوا كل هذه التفاصيل, علي النقيض لما يحدث الآن, فنحن نعد الاحتفال ومظاهره وتوقيته ومكانه وكل الترتيبات اللازمة, ومن المحتمل أن ننسي الاستعداد الجوهري لهذا اليوم كما يجب لأن الكثيرين يكتفون بالشكليات فقط. لكن أصحاب العيد لم يتخيلوا هذا كله,
فلم يكن للطفل يسوع موضع يولد فيه, لأن أمه العذراء مريم لم تجد مهدا له في بيوت الناس حتي أنها عثرت علي مذود فقير ليولد فيه, للأسف كان الناس في ذلك اليوم غافلين عنه, مع أنهم كانوا ينتظرون مجيئه في أقرب وقت, وكانوا منشغلين عنه يوم مولده لأنهم لم يتوقعوا أنه المسيح المنتظر, حتي أن أصحاب الفندق ببيت لحم لو عرفوه لكانوا استقبلوا والديه العذراء مريم والقديس يوسف بأفضل ترحاب, لكننا نلتمس لهم العذر والشفقة لعدم درايتهم, وتمر الأيام والسنون والقرون ويصبح عيد ميلاده عيدا عظيما ذا تأثير مدوي في العالم كله, حتي أن البشرية جمعاء تحتفل به كل عام, وأصبح العالم كله يعتبر عيد الميلاد هوأجمل الأعياد وأقواها شأنا, حتي أننا صرنا نحتفل بالعيد في كل مكان سواء بالصلوات المناسبة له داخل الكنائس أو الاحتفالات الخارجية المتنوعة بالترانيم الميلادية المبهرة بكل لغات العالم والتوزيعات الموسيقية الثرية المحببة للكبار والصغار, والتي تحمل معاني السلام والحب, كما يتفنن الجميع في تزيين شجرة الميلاد بالألوان المختلفة والأنوار المبهرة ووضع القطع المناسبة عليها وبطاقات التهنئة والموسيقي الهادئة, كما يتنافس الكثيرون علي عمل المغارة, وفي هذه المناسبة نتبادل الهدايا المختلفة التي يوزعها بابا نويل خاصة للأطفال والفقراء والمحتاجين والمرضي, ملايين من الرسائل المبهرة نتبادلها علي الواتس آب والفيس بوك والبريد الإلكتروني. فمن المؤكد سيكون تأثير عيد الميلاد أقوي وأغني إذا احتفلنا بكل هذا دون أن ننسي جوهر العيد الذي يغير ما بداخلنا وعلاقتنا مع الآخرين, ونلمس هذا في الصلوات المختلفة بهذه المناسبة التي تحمل معاني السلام والحب والغفران والتعايش السلمي: المجد لله في الأعالي وعلي الأرض السلام وللناس المسرة. إذا.. عيد الميلاد هو فرصة لنا جميعا لنولد من جديد.