حينما تقسو الأقدار على البشر تختنق الصدور بالآلام، تحاول الفرار لكن حصار الألم غامر كالإعصار، صلب كأعمدة الحديد، عنيد مثل الصخر في صحراء بكر، وبينما يواصل الحصار بناء حصونه وشد متاريسه، ورفع أسواره حول المسجونين بين جدرانه الأربعة، يئنون ولا يعلنون، يجوعون ولا يقتاتون، يمرضون ولا يشحذون، يموتون وفي مدافن الصدقة يدفنون، وتمضي الحياة بين حصار وفرار، ومع الفارين نعدو ربما نلحق بهم ونتمكن من سداد احتياجاتهم.
بدون موعد زارنا عم ماجد، ممسكا بورقة قام بنزعها من جريدة وطني، رأسه الذي غطاه الشيب يعلن كم من العمر أمضاه في الشقاء، ينبيء عن قدر المعاناة التي لم تترك موضعاً للصحة في جسده، وكتفاه المنحنيان يخبران الناظرين بالنير الذي يحملانه منذ زمن. جاء طالبا كرسياً متحركاً لولده المعاق البالغ من العمر 22 عاما، وعلبة بامبرس، نشرنا عنه منذ أسبوعين، تعاطف أهل الخير معه، اشتروا له كرسياً متحركاً، لكننا لم نستطع حينها سرد قصته كاملة، قدمنا الضرورات الكرسي وهو حال الأسرة برمته.
قررنا الذهاب إلى منزل عم ماجد، وهناك في منطقة عرب العيايدة، التي يقطن بها، اجتزنا طريقاً يشبه كل الطرق التي يمر بها “باب افتح قلبك” منذ سنوات، وكأن الفقر لم يترك عقارا إلا وحفر بصمته فوق جدرانه، ليعلن وجوده الأزلي. في مدخل العقار بير السلم هناك شيدوا دورة مياه لأسرة عم ماجد، فمسكنهم الكائن في الدور الأرضي لم يكن به دورة مياه، في بير السلم يستحمون ويقضون حاجاتهم. خطوات ثقيلة حملتني إلي الداخل حيث الموضع المعدم، حوائط بلا دهانات، بعد أن تساقط الجير من فوقها، في الصالة لا يوجد سوى مقعد وحيد وحصيرتين، وعلى الجانب الأيمن غرفة جلس فيها الابن المعاق فوق الأرض زاحفا بجانب سرير وحيد في المنزل، ينام فيه هو وأبيه وأمه، إلى جوار كرتونتين ممتلئتين بملابس قديمة إذ لا يوجد دولاب ولا مكان للملابس. بسرعة فائقة غادرت المكان إلي الغرفة المجاورة ربما تكون أفضل حالا، فمن منا يحتمل قلبه قسوة المشهد، للأسف لم تكن الغرفة الأخري أفضل حالا، فوق الأرض يرقد شاب يلتحف ببطانية، وقد برزت أرجله منها.. يا الله حتى الغطاء عزيز على الغلابة.. إنه شقيق الشاب المعاق، يعمل يوما ويرقد في المنزل أياما، كان مساعدا لوالده -عم ماجد- الذي عمل لسنوات كهربائياً، لكن عم ماجد لم يكمل الطريق في صنعته، بعد أن سقط من ارتفاع سبعة أمتار ليصاب بكسور ورضوض عنيفة، أقعدته عن الحركة و بالتالي العمل، وتسببت له في إعاقة دائمة، وحينما توقف عم ماجد توقف الابن أيضا، وصار يعمل بالصدفة.
طافت عيناي في المكان بحثاً عن بقعة أخرى، لكنني لم أجد، فلا يوجد مطبخ، بينما توجد شعلة صغيرة تشبه أنابيب الغاز القديمة في محال شحن الغاز، سألت عم ماجد أليس لديكم ثلاجة؟ فأجاب: لا, فاستكملت سؤالي الغبي وأين تضعون بواقي المأكولات لحفظها؟ فأجابني مبتسما: هو فين الأكل ده يا أستاذة!! إحنا عايشين على الكفاف، حد يدينا لقمة، حد يبعت لنا أكلة، يادوب، سامعة الكلب إللي بيهوهو فوق ده؟ ده كلب صاحب البيت، لو دورتي هتلاقيه بياكل أكتر من ولادي.. يا الله إلي هذا الحد وصل الحرمان حتى من أبسط الحقوق – الحق في الشبع و الغذاء..
وبكي الرجل العجوز كالطفل الشريد، قاسية هي الحياة، تدهس رحاها عزة المحرومين رغم بساطة أمنياتهم. وشعرت بالقهر كما لم أشعر من قبل، فحينما يعجز المرء عن إطعام فلذات أكباده لا يمكن أن يدعي أحد أنه يستطيع وضع ذاته مكانه، ومهما نال المرء من خبرة في خدمة أولئك المحرومين، لا يمكننه أبدا أن يحيا مشاعرهم، التعاطف لا يخلق الحالة، لكنه قد يخلق العون، التعاطف لا يقدم الحل، لكنه قد يقدم القدرة على احتمال المشكلة بدون حل. وتابعت مع عم ماجد جولتنا الثابتة في أرجاء حياته المرهونة على عون القادرين، فلا توجد غسالة، وزوجته العجوز تقوم بغسل ملابسهم بيديها التي أكلتهما شيخوخة السنوات، ولا يوجد أي جهاز كهربائي، ولا توجد أسرة للنوم، ولا يوجد مطبخ، ولا دولاب، ولا أغطية، لا توجد حياة..
وكأنني ابتلعت لساني. لم أنطق ببنت شفة، فتكلم عم ماجد: الواد المشلول ده بركة، مايغركيش إننا حالنا كده، ده ربنا بيبعت لنا ساعات أكل حلو علشانه من الجيران، هو مش بيتكلم خالص بيقول بس كلمة يارب، بس لما بتيجي له الغيبوبة بيلف في الأرض لغاية لما يفرفر ويروح مننا زي الدبيحة، ويصرخ ويقول يارب. كان نفسي يخف بس ربنا عايز كده، بعت عفش البيت كله عليه، وماخفش، عملنا له عمليات كتيرة، وماخفش، وأنا وهو بناخد حاليا معاش العجز، كل واحد مننا 323 جنيها ليه وزيهم لي أنا، بس يعملوا إيه في الحياة دي، ده أنا بادفع إيجار 400 جنيه غير النور والمياه، ابني الكبير بيشتغل مساعد صنايعي، بس يوم آه وعشرة لأ، حسب الحال واهي الدنيا بتمشي, وفي العيد كنيسة مارجرجس ومسجد الرحمة بيدونا شنطة بركة.
لم أشعر يوما بقدر الوجع الذي شعرت به في هذا اليوم، نبيت في سرائرنا مستدفئين، بينما يبيت البعض فوق الأرض منحني الظهر، مثني الركبتين منكمش الجسد، نلبس ويتعري آخرون، نشبع بينما يتمنى البعض طعام الكلاب ولا يجده، فهل توحش الفقر لهذه الدرجة في وطننا؟
إيد الحب امتدت أيادي الحب بالمبالغ التالية:
1000 جنيه من يدك وأعطيناك-بالزيتون
1000 جنيه من يدك وأعطيناك بأسوان
1000 جنيه من يدك وأعطيناك – سموحة بالإسكندرية
600 جنيه طالب شفاعة القديس البابا كيرلس السادس
600 جنيه طالب شفاعة القديس أنبا كاراس السائح ——-
12446 جنيها أولاد العذراء مريم بأستراليا
600 جنيه علي روح المرحوم إبراهيم سعد
200 جنيه من يدك وأعطيناك
15000 جنيه طالب شفاعة العذراء ومارجرجس وأبو سيفين والبابا كيرلس
1000 جنيه طالب شفاعة القديسة فيرينا
150 جنيها هاني منير
10000 جنيه طالب شفاعة البابا كيرلس والأنبا كاراس-بالإسكندرية
36000 جنيه اولاد العذراء بواشنطن.
تواصلوا معنا عبر المحمول 01006058093 – 01224003151
تليفون أرضي بجريدة وطني 0223927201
البريد الالكتروني: [email protected]
البريد: مؤسسة وطني للطباعة والنشر – باب افتح قلبك ، 27 ش عبد الخالق ثروت، القاهرة