فى حفل ترفيهى غير رسمى سألت أحد الوزراء السابقين من العصر المتخلف الفاسد، وكان مشهورا بهمته وتدينه، بماذا خرجت يا معالى الوزيرمن الوزارة؟
ابتسم الرجل وقال: هل تسجل أم أنك تريد أن تعرف فقط لزيادة معلوماتك وخبرتك؟
هى مجرد دردشة يامعالى الوزير وليس حديثا رسميا للاذاعة أو للنشر.
اذن اتحدث معك بصراحة واقول لك: خرجت من الوزارة بمبدأ يقول: النفاق سيد الاخلاق.!.
هكذا تحدث الوزير السابق عن الحياة السياسية فى مصر ومايسودها من فكر وتعامل وعلاقات خلال خمسين سنة، واعتقد أن هذا هو السبب الرئيسى فى تخلفنا فى شتى المجالات، لان الدول المتقدمة المتحضرة هى التى تتعامل بوضوح وتقول للمخطئ أنت مخطئ وتعطى كل مواطن حقه وتقدر عمله مهما كان بسيطا متواضعا.
أما الدول النامية- وهى النائمة فى العسل- والتى تجامل الكبار والرؤساء والوزراء وكل المديرين، وترى اخطائهم وخطاياهم وتحولها لانجازات وروائع وتنفخ فيهم حتى يصدقون كذب المرءوسين المنافقين أشباه البنى أدمين، فيستمرون فى اخطائهم التى لا ينتقدها احد، هذه هى الدول المتخلفة جدا، التى لا ولن تعرف التقدم ولا حقوق الانسان ولا التنمية، وهى ليست دولا بل شبه قبائل وغرب وليس بها قانون، بل ان وجد القانون فيطبق على بعض المواطنين الغلابة المسالمين المقهورين ويدافع عن الحرامية والنصابين الذين يحكمون، والعصابة التى تلتف حولهم تنافقهم وتستفيد منهم.
النفاق أذن عملية كذب وتزييف للواقع، وتحويل القبيح الى جميل والجميل الى قبيح والبعد عن الصدق الذى هو العامل الاول فى نجاح أى مشروع أو أى أنسان.
وهل يمكن أن يسود مبدأ: النفاق سيد الاخلاق، فى أي دولة أو أمة وتتقدم وتنهض؟!.
لا يمكن بالطبع لأن تقدم اى امة يعتمد على دراسة الواقع من مشروعات وسياسات ونقده ومعرفة سلبياته وايجابياته، لكن المنافقين، الذين يتمسكون ببعض القيادات الجاهلة والسلبية بل والغبية لا يريدون نقد الواقع الاليم الملئ بالاخطاء والسلبيات لان هذا النقد سيغير القيادات التى عرفوها ويتملقوها ويستفيدون منها بالتالى سيخر هؤلاء المنافقين.
المنافقون فى أى دولة هم طابور سادس ومجموعة من المرضى النفسيين الذين لايثقون فى قدراتهم ومواهبهم بل وليس لديهم مواهب، وبالتالى يستهلون الامر بالتقرب الى الحكام والمسئولين بالكذب والرشوة والتهويل والمبالغة وخلق الزعيم الضعيف، وتحويل الجاهل الى عالم والكافر الى إمام أو شيخ كنيسة، كما حدث مع راسبوتين فى روسيا القيصرية، الذنديق الذى تحول الى أشهر راهب قس فسقطت روسيا القيصرية.
والمنافقون يفعلون ذلك عن عمد، ويعرفون انهم يكذبون ويستخدمون كل الطرق للوصول الى تحقيق مطالبهم وطموحاتهم الغير محدودة والتى لا تتف مع مواهبهم واستعدادهم ان وجدت، وهم يعلمون انهم بنفاقهم وكذبهم زمبالغتهم يحصلون على مكاسب ليست من حقهم، لكن هذه هى الطريق السهلة للكسب،بدلا من العمل الجاد الحقيقى المشروع من اجل التقدم والرقى. وهم يؤمنون بمبدأ مكيافيلى المفكر الايطالى القائل: الغاية تبرر الوسيلة.
هذا الفكر الفاسد السئ موجود مع الانسانية منذ القرن الخامس قبل الميلاد عند اليونان، وبالذات عند جماعة( السوفسطائيون) الذين امنوا بان: الانانية اساس الاخلاق، والقوة اساس الحق، زلا ينبغى اطاعة القانون.. ومن اجل ذلك تقرغ لهم(سقراط) ابو الفلسفة وهاجمهم ومنذ فكرهم اللانسانى، الذى لا يتفق مع طبيعة تقدم وحياة البشر. ومن اجل تقدم الانسانية قدم لنا سقراط العظيم تعاليمه المفيدة الصالحة ومنها:
· الحياة التى تخلومن امتحان النفس ليست جديرة بالبقاء.
· الفضيلة لا تشترى بالمال.
· بستحيل على الرجل الصالح ان يصاب بسوء لا فى حياته ولا بعد موته.
· لا تعبا بما يقوله الناس بل اعمل بما يمليه عليك العقل الحكيم.. لا يصلح لسياسة امة الا الفاضلون.
هكذا جاء سقراط لينشر الحكمة ويدعوالانسان الى استخدام عقله والتخلى بالقيم الاخلاقية من اجل حياة افضل سعيدة خيرة. ومع ذلك فمازال الفكر السئ اللاانسانى ينخر فى عظام المجتمعات، ومازالت الدول الفقيرة المتخلفة تعانى من النفاق والمنافقين الذين قال عنهم المفكر( جابربيل جارثيا ماركيزا) الحاصل على جائزة نوبل 1882:
(المنافقون بلا حياء، الذين يفسدون الحاكم دائما ويزينون له كل اعماله الفاسدة)
ومن عجب أن هؤلاء المنافقون أول من يحتقرون انفسهم لانهم يعلمون جريمتهم ويشعرون بوضاعتهم!.
الواقع أن النفاق ليس سيدا للاخلاق، بل هو أسوأ أنواع الاخلاق.
زكما يحتقرون انفسهم يحتقرهم أيضا الجميع وبخاصة الرؤساء والحكام والمسئولين الذين ينافقوهم لانهم يعرفونهم جيدا ويثقون انهم كما ينافقوهم سينافقوا غيرهم، لانهم لا ذمة ولا اخلاق ولا قيم عندهم، بل أن المسئولين سيضحون بهم فى أول تجربة احتكاك حقيقى بهم.