إزدد تواضعا ما أددت عظمة فتنال حظوة لدي الرب(يشوع بن سيراخ3:18).ماذا يمثل لنا التواضع؟من هو المتواضع الحقيقي؟إذا كان الكبرياء أصل كل الشرور,فالتواضع هو أساس كل الفضائل.هل نستطيع أن نربط بين ما يحدث من شر في العالم بسبب ندرة فضيلة التواضع التي تدعم محبتنا تجاه الآخرين.
كم من أشياء تحدث كل يوم ونسمع عنها:حب مخدوع,مرض لاشفاء منه,خسارة مالية,لذلك يجب علي كل واحد منا بكل تواضع أن يشعر بضعفه وحدوده وهشاشته,وأن يعلم جيدا بأنه المخلوق وليس الخالق.ويعترف داود النبي بضعفه قائلا عندما أري سمواتك صنع أصابعك والقمر والكواكب ثبتها,ما الإنسان حتي تذكره وابن آدم حتي تفتقده؟(مز8:4-5).فالإنسان المتواضع لايهمه رضي الناس أو سخطهم,مدحهم أو ذمهم,لأن همه الأول هو أن يرضي الله وضميره,ولا يتأثر بكلام الناس إلا بمقدار ما يكشف عن حقيقة ذاته,ليزداد رسوخا في التواضع,ويسعي لإصلاح نفسه,لأن المديح إذا كان صادقا فهو لخير قمنا به بالفعل, أو بهدف تشجيعنا علي عمل الخير والتمسك بالأخلاق النبيلة,وليس بهدف أن يأخذنا الكبرياء والتعالي علي الآخرين.فالمتكبر بتأثر بكلام الناس من مدح أو ذم,ويعتبر قيمته تأتي من أفواههم,كما أنه يبالغ في تقدير أعماله بدافع الغرور أو الغيرة من الآخرين,كما أنه ينسب لذاته ما يعمله الغير وما يستحقه من مديح,فالإعجاب بالنفس هو مرض الإنسان الذي لايجد ما يملكه أو يعمله ليمدحه الناس,فيحاول أن يعوض بنفسه عن إهمال الناس له,فيلجأ إلي الزهو والافتخار والتعالي,ونستطيع أن نقارن بين المتكبر والمتواضع بسنابل القمح:إن كانت فارغة جوفاء شمخت إلي العلاء تتراقص تيهأ مع الرياح,ولكن إن كانت مثقلة بالحنطة آمالت رأسها ونكستها إلي الأرض,فقيمة الإنسان الحقيقية ليست في إعجابه بنفسه أو في مديح الناس له بكل رياء ونفاق بل قيمته فيما يأتيه من أعمال الخير والفضيلة ومساعدة الآخرين.المتكبرون يعتقدون تماما أن العالم سيخسر الكثير إن لم يسمع نظرياتهم ولم يقدر أعمالهم,والويل لمن يعارضهم أو لم يظهر إعجابه بقدراتهم وإمكانياتهم لذلك يعلمنا السيد المسيح قائلا:فمن رفع نفسه وضع,ومن وضع نفسه رفع المتكبر يذم الآخرين لأنه حاقد وعاجز علي اكتساب الفضيلة أو عمل الخير,فيلجأ إلي سلاحه الضعيف وهو ذم أهل الصلاح أو السخرية منهم,علي أما أن يتراجعوا ويصبحوا مثله,فيجد التعزية عن تقصيره,ويفتخر بأن كل الناس مثله,ولا يوجد أحد أفضل.
نحن بحاجة إلي التدريب الأساس لنقتنع بصغرنا وضآلتنا لأن الإنسان العظيم حقا نراه متواضعا لايتعدي علي أحد ولايتفاخر بشخصه ولكنه يستمع للآخرين ويحترم آدمية الجميع,وكما يقول الفيلسوف الفرنسي فولتير:الناس تخطأ ولكن العظماء منهم يعترفون بخطأهم,فالتواضع والصدق والبساطة هم الحد الفاصل الذي يمهد لسمو الإنسان ولكن الكبرياء له أرضية مختلفة وهي الضآلة والتفاهة العقلية والمسكنة ومن المؤكد أن الاعتراف بالخطأ هو كضربة السوط التي تنزل كالعقاب للأنا وكالجرح الدامي للكبرياء.
ونختم موضوعنا هذا بالقول المأثور:كلما تضاءلت المعرفة عند الشخص,إزداد ولعا بالحديث عن هذا القليل الذي يعرفه.