عناية الله بنا لا تعني الاتكالية من نحونا, ولكن يجب أن ننهض ونشمر عن سواعدنا لنعمل بهمة ونشاط. كم من مرة نتذمر فيها علي الله وخاصة عندما نري الآخرين في تقدم وازدهار, بينما نحن يعترينا الفشل؟ مرات عديدة نطلب من الله أن يساعدنا ويحقق لنا مطالبنا, في حين أننا ثابتون في أماكننا دون حراك, كما أننا نريد من الله أن يهبنا ما نرغب فيه ويحرم الآخرين هذا الامتياز. الأمر المضحك هو أن الغالبية العظمي تريد أن تقدم النصيحة لله القادر علي كل شئ في بعض أمور الدنيا وفيما يخصها ويخص الآخرين, وعلينا أن نتخيل مثل هؤلاء وكأنهم يعاتبون الله العلي القدير الخالق الأوحد للكون مستفسرين: لماذا نسيت أن تدعونا عند خلقك لهذا العالم وأخذ رأينا ومشورتنا في إدراته؟ ويرشدنا في ذلك القديس ألفونس دي ليجوري بقوله: عندما نتأمل البحر الهادئ أو ذلك الثائر, نطبقه علي ما يحدث داخل النفس البشرية التي تحيا في نعمة الله وتلك التي بعيدة عنه, وعندما نتأمل الحقول والبحار والزهور التي تبهجنا بجمالها وتنعشنا بعبيرها, لنقل: ما أجمل المخلوقات التي خلقها الله من أجلنا علي هذه الأرض حتي نحبه, والسماء التي سيسعدنا بها, إنه يبين لنا بهذه الصور جمال القلب النقي, والمصير الأخير الذي ينتظر الصالحين واصفا الله بالرحمة والحب قائلا: الله أحبك أكثر من الأب وأحبك لكي تحبه وتخدمه في هذه الحياة, وتتنعم به في الحياة الأبدية, فحياة الإنسان هي أنشودة عذبة لمن يعرف كيف ينشدها.
عناية الله بنا لا تعني أنه يسلب حريتنا, فكل شخص في هذه الدنيا ينعم بالحياة التي منحها الله للإنسان وبعناية فائقة في كل لحظة دون أن يقيد حريته وكما يصلي داود النبي هكذا: جميعها تعقد عليك الرجاء كي ترزقها في الآوان الغذاء, أنت الذي يؤتيها رزقها وهي تجمع, تمد يدك فإذا هي من الخير تشبع (مزمور103:27-28), هذا يدل علي حضور الله المستمر في حياة كل واحد منها, حضور يحترم حريتنا, ومما لاشك فيه أن الله خلقنا ليعتني بنا, فإذا حدث شر لنا, أو تعرضنا لأي سوء, فالله أب رحيم لا يغفل عن خلائقه, وعليهم أن يعيشوا في ظل رحمته وحنانه, ثم يسعوا إلي ما يحتاجون إليه ويريدونه, والهدف من تمهل الله هو أن نقوم بما في وسعنا وهو سيكافئنا علي هذا الجهد أيضا, وإذا ظننا أحيانا أن الله لا يسمعنا, وسنفقد الفرصة التي أمامنا, لا ننسي أنه يعرف ما هو أفضل لخيرنا وسعادتنا وراحتنا, وإذا كان الله كلي القدرة, فهو يستطيع أن يعوضنا في لحظة كل ما نعتقد أنه فقد إلي الأبد, لذلك نترك الله يتدبر أمور حياتنا ويعمل كيفما شاء.
من يريد أن ينجح في الحياة, لا يكتفي بالوقوف أمام الدرج الممتد أمامه ويتأمله, لكن يجب أن يسرع ويبدأ في الصعود, قد يتعثر أحيانا ويسقط أحيانا أخري, ولكنه سيصل حتما إلي النهاية.. الله ينتظر تجاوب خليقته المحبوبة ولكن للأسف كثيرا ما تخذله, كم من مرات لم يعط الإنسان ثمارا ويخنق عطية الله تاركا إياها حتي يعلوها الصدأ؟ كم من أشخاص يشتكون من الحياة التي يعيشونها, ولا يعجبهم شيئا مما منحهم إياه الله, نسوا أن الله أب حنون يدبر أمورهم بكل حكمة, وهدفه الأول والأخير هو سعادة البشر جميعا وما عليهم إلا أن يثقوا في تدبيره الأبوي ويضعوا أنفسهم بين يديه, وهذا يعني أن يتقربوا إليه بكل إيمان وثقة وأن يعملوا بكل جد ونشاط وحيوية لتحقيق مشيئته, فالعناية الإلهية تتواري وراء الظروف لتتدخل في الساعة المحددة, إذا يوجد دائما ارتباط بين الإيمان والعمل, العناية الإلهية والحرية الإنسانية ولذا يجب علينا أن نحترس من الاعتقاد السائد بأن كل شئ يأتي بالحظ فقط, وننكر عناية الله التي تتطلب منا أن نشمر عن سواعدنا ونقوم بواجباتنا اليومية بكل إخلاص وحب. ونختم بكلمات عالم اللاهوت Karl Barth: أنا محبوب, إذا أنا موجود.