الحب شمعة تطفئها الأنانية وتشعلها التضحية. للأسف مازال العالم يئن ويتألم من البغض والكراهية والحرب والدمار والإرهاب, أمام هذا كله يجب أن يرفع كل إنسان محب لله والخليقة صوته وينادي بالحب, لأننا نعاني من فيروس الكراهية وأنيميا الحب, لنتعلم معني الشعار Ubuntu الذي يستخدمونه في معظم الدول الأفريقية ومعناه: أنا أكون حتي نكون, وهذا الشعار هو مفتاح الحب في تقاليدهم وله معان كثيرة: الإنسانية, الكياسة, الضيافة, الاستعداد التام لخدمة الآخرين والتطوع من أجلهم, وما أجمل هذا الشعار الذي يعني أن وجودي مرتبط بوجود الآخر, لأننا نستطيع أن نكون بشرا فقط إذا تضامنا معا, وهذا التعبير قريب جدا من الكلمة اليونانية Agape التي لا تعني المحبة فقط, وإنما أحاسيس فياضة, سخاء في العطاء, لطف في التعامل, وكما يقول الشاعر الإيطالي Dante في الكوميديا الإلهية: الحب هو الذي يحرك الشمس والنجوم, لأن الحب هو نعمة إلهية سكبها الله في قلوبنا, لأنه دون الحب يصبح كل شئ جامدا وقاسيا, وعندما نقوم بأي عمل نشعر بثقله وملله حتي لو استغرق دقيقة واحدة, دون الحب يتحول الواجب في الأسرة أو العمل إلي عبء شاق وفرض قاس حتي في الممارسات الدينية, ولكن بالحب يتبدل كل شئ إلي الأفضل وتمر ساعات العمل كأنها ثوان معدودة, وكما يقول الشاعر الإيطالي Vincenzo Cardarelli: علينا أن نعلم جميعا بأن الحب يوقد الحياة ويجعل الوقت يطير بسرعة. فالإنسان قد يعطي دون حب, ولكن لا يقدر أن يحب دون أن يعطي. ونقرأ في تعاليم الصوفية: تستطيع أن تتكلم فقط بعد عبور كلماتك علي بوابات ثلاث, فعندما تصل إلي البوابة الأولي اسأل نفسك: هل كل ما أقوله صحيحا؟ إذا كان هكذا, تستطيع أن تكمل إلي البوابة الثانية وهناك اسأل نفسك أيضا: هل كلماتي ضرورية؟ إذا كانت كذلك تستطيع أن تصل إلي البوابة الأخيرة وعندها تسأل ذاتك: هل كلماتي بها مودة؟, خلاصة هذا التعليم هو أن كل واحد منا يستطيع أن يتكلم إذا كانت كلماته صادقة وضرورية ومحبة, وعلي هذا المنوال كان الرئيس العام للرهبان الفرنسيسكان Fr. Hermann Schaluck يزين نصه المكتوب لرهبان العالم بثلاث كلمات: الحق والجوهر والحب, وهذا كله هو مثلث الأبواب الذي يلخص الكلمة الهادفة والناجحة والبنآءة التي تزرع الحب في كل مكان, خلاف ذلك, فالكلمات المزيفة وغير الضرورية والمبنية علي البغض تفسد المحبة الحقيقية حتي بين الأزواج والأخوة والأصدقاء, للأسف كم من الأشخاص بعد انتهائهم من الصلاة يخرجون ويتكلمون بالسوء علي من كان معهم أثناء الصلاة أو علي الآخرين عامة؟ وهنا يحثنا القديس يعقوب: أما اللسان فلا يستطيع أحد من الناس أن يقمعه. هو شر لا ينضبط مملوء سما مميتا. به نبارك الله وبه نلعن الناس المخلوقين علي صورة الله (يعقوب3:8-9). إذا, لو مررنا بالأبواب الثلاثة قبل أن ننطق بكلمة, سنتجنب كثيرا من الخصام والبغض والكراهية, لأن محبتنا للآخرين هي الترمومتر الذي نقيس به نجاحنا, والمحبة المطلوبة من كل شخص منا يجب أن تكون صادقة ومخلصة وصافية ومبنية علي التسامح والغفران طالبين من الله أن يزرع نضارة الحب في قلوبنا وينزع تجاعيد الحقد من نفوسنا, حتي نسعد الآخرين ونضاعف أيامهم السعيدة ونقلل من لياليهم الباكية, وكل هذا لا يعني أننا لا نواجه صعوبات وآلاما من الآخرين بالرغم من محبتنا لهم, وكما يقول المؤلف الإسباني Jacinto Benavente: الحب كالأطفال حديثي الولادة, لا نستطيع أن نجزم بأنهم أحياء إلا بعد سماع صراخهم. فالحب يعرف الألم كما أن الربيع يمكن جرحه بعاصفة باردة أو أمطار غزيرة مباغتة وغير متوقعة, أيضا يحجب النور بمرور السحب, ويصبح الألم كالملح بالنسبة للحب, ولا نتخيل تألمنا بسبب الحب هو لعنة وعقاب, ولكنه علامة نضج, فلا نيأس أمام جرح المحبين أو إهانتهم أو عدم أمانتهم في الحب, ولكن لنتقوي ونتشجع. في أحد طقوس الزواج تتلو العروس هذا الوعد أمام الحاضرين: أريد أن أكون بابا مغلقا في وجه الحسد والطمع, ومفتوحا للعطاء والكرم. أرغب في أن أصبح بابا يصد البرد والصقيع لكي يحمي ويعطي فرصة اللقاء, أود أن أكون بابا مغلقا في وجه الأنانية ومفتوحا علي الحب تجاه الآخر لكي أفهمه. أريد أن أصبح بابا يقدم لك بيتا ياالله وحبا ووقتا وأمانا للآخرين.
نستخلص من هذا الوعد عنصرين: الأول يخص الباب المغلق في وجه الحسد والطمع والبرد والأنانية, لأننا للأسف نلاحظ هذا ما يحدث في عائلات كثيرة بسبب انغلاق الأشخاص علي ذاتهم, والعنصر الثاني هو الباب المفتوح للحب تجاه الآخرين, لأن دفء ونور العائلة يجب أن يشع خارجا في عالم غالبا ما يكون مظلما وباردا. جميعنا يعلم ذلك تماما وهو أن أي زواج دون حب سيصبح سجنا للطرفين, دون الحب سيتحول إلي جثة هامدة, ولن يصبح زواجا حيا كما أراده الله الخالق جاعلا إياه سرا مقدسا مبنيا علي حب الطرفين. ونلخص حديثنا بهذه الكلمات: ليس المهم أن نخاطب العالم بلغاته, بل أن نخاطب الناس بلغة الرباط المقدس: الحب.