العمل أولا,والأمل بعد ذلك.حياتنا مليئة بالكلام والوعود دون أفعال,فالكلام كأوراق الشجر الكثيرة تخفي ثمارا أقل,إذا هيا بنا للعمل ونخص بالذكر فئة الشباب التي تتحلي بالحيوية والحماس.لأن الشباب الحق هو التطلع إلي ما هو صعب ومستحيل لتحطيمه,وإلي ماهو سامي للوصول إليه,وماهو بطولة لتحقيقه.وهو التمسك بعقيدة ثابتة بناءة والإخلاص للمبادئ السامية.
إذا تصفحنا التاريخ سنجد أمثلة عديدة من مشاهر وأبطال قاموا بأعظم الأعمال المؤثرة والهامة وهم في سن الشباب لذلك لايستطيع أحد أن يعتذر لصغر عمره أو قلة كفائته حتي لايقدم شيئا مفيدا وهادفا.
من لايتذكر البطلة القومية جان دارك jeanne d’Arc(1412-1431) التي أعادت إلي فرنسا كرامتها,وحررتها من الاحتلال الإنجليزي وهي في التاسعة عشر من عمرها؟!
أيضا كلوفيس Clovise(466-511) الذي وضع قواعد الملكية في فرنسا وفرض هيبته وسيطرته علي الأمراء والزعماء وهو في الخامسة عشر من عمر؟!
والشاعر التونسي أبو القاسم الشابي الذي آثار لهيب الثورة والشعب التونسي ضد الاستعمار الفرنسي وهو في التاسعة عشر من عمره؟!
أيضا في نفس العمر كان أينشتاينEinstein يضع نظريتهالنسبية التي قلبت موازين العلوم رأسا علي عقب ومهدت للعالم الفرصة الذهبية في العلم والاختراع؟!
كما توجد أمثلة أخري من هذا القبيل,ويعود سبب نجاحهم وعبقريتهم وتفوقهم إلي أنهم يستغلون أوقاتهم ويضعون كل طاقاتهم وجهدهم في العلوم والتقدم والبطولة.
ما من أحد ينكر أن شباب اليوم أيضا يتحلي بمواهب عظيمة منحه إياها الله تعالي,لذلك عليه أن يعزم عزما صادقا علي النجاح في الحياة,وأن يبذل كل ما بوسعه ليكتسب كل يوم شيئا جديدا,وأن يقوم بكل عمل يرضي الله عنه,وأن يكون لخير الآخرين والمجتمع,لكن للأسف كثير من هؤلاء الشباب الذين يتمتعون بملكات كثيرة يدفنون مواهبهم لذلك تحتاج للبحث والتنقيب عنها,وفيهم نبوغ كامن تحت الرماد يترقب من يكتشفه وفيهم طموح مكبل تحت وطأة الكسل ينتظر من يحطم قيوده ليطير ويحلق في فضاء العمل.ونستعين بكلمات نابليون المشجعة:إذا صمم إنسان علي النجاح فلا شئ في الدنيا محال!.
فالشباب بحاجة إلي الإرادة القوية التي تزيل وتمحو الصعاب وتصل به إلي البطولة ويتفاوت الناس في النجاح والبطولة بمقدار ما فيهم من قوة وإرادة وهذه الإرادة تتقوي بالعمل الدائم والممارسة المستمرة,والتخلي عن أشياء كثيرة تافهة في حياتنا اليومية.ويقول المثل:الذي يستطيع,ويعمل…والذي لا يستطيع,ينصح فقط!.
من منا لم يعثر في سفره علي بعض اللافتات التوضيحية مكتوب عليها هذا التحذير:منعطفات خطرة انتبه! لتساعدنا علي الاستيقاظ من غفلتنا أثناء القيادة حتي نتجنب الموت الذي يحدث في أقل من طرفه العين كذلك علي الشباب أن ينتبهوا في طريق حياتهم من المنعطفات الخطرة,وأتباع تعليمات السير في الاتجاه الصحيح حتي تضمن لهم سلامة الوصول إلي الهدف الخير والصالح.
لاننكر أن شباب اليوم يواجه منعطفات خطرة كثيرة ومتنوعة تجعله يحيد عن الهدف الصائب ومن أمثلة هذه المنعطفات:أصدقاء السوء,الأشخاص الغير أمناء في رسالتهم,والأنانيين,المناففقين,وغير ذلك.
إذا علي أصحاب النفوس الطموح أن يتجنبوا أمثال هذه المنعطفات الخطرة وينظروا إلي الأمام إلي الأحسن,الأجمل,الأسمي.
ويسعي إلي صداقة النفوس النبيلة والطيبة,وأصحاب القلوب العامرة بالأخلاق.ومن هذا المنطلق يجب علي الشباب أن يتحلوا بالإيمان القويم بالله والثقة في محبته,وأن يمارسوا الرياضة لبنيان أجسادهم,ويحرصوا علي تغذية عقولهم وإنارتها بالعلم والقراءة والبحث كما يسعون إلي القيام بالأعمال التي ترضي الله وتفيد الأخرين.
إن حياة الإنسان هي صراع متواصل من استيقاظه حتي أن يخلد للنوم,ولا يصمد أمام هذا إلا الشاب العالي الهمة,ذو الخلاق النبيلة,وصاحب القلب العامر بالإيمان.
كل شخص منا له أعداء ظاهرين وخفيين:كالفساد الذي يحاصرنا من اخارج,والكسل الذي يغرينا بإهمال واجباتنا,واليأس الذي يختلق لنا الأعذار تهربا من التضحية.
فالبطل الحقيقي هو من يصمد إزاء كل هؤلاء الأعداء ويقوم برسالته علي أكمل وجه حتي يصل إلي فراشه ليلا ويختلي بنفسه شاكرا الله لانتصاره علي هؤلاء الأعداء ثم ينام في سلام ليستيقظ في الصباح الباكر بهمه الأبطال الصالحين فالإنسان في سن الشباب يبلغ قمة حيويته وسخائه ولاشئ يبدو مستحيلا لتطلعاته إذا رغب في ذلك ويتميز بالطموح الذي يدل علي علو الهمة والنبل وجميل قول الشاعر العربي في هذا المضمار:ومادام في الدنيا سمو ورفعة…فما أنا من يرضي ويقنع بالأردأ.
والطموح هو أن نتمرد علي الكسل,وعلي الروتين,ونبذل أقصي جهدنا لنكسب قوة وحيوية لعطاء أفضل والإنسان الطموح هو يقظ دائما لايغمض له جفن,لايبالي بوهن,ولا يشبع من بحر المعرفة والعلم والثقافة.ونجد شعاره الدائم:عندما استطيع الأحسن,لايعود يهمني الشئ الحسن ولايكون هناك طموح بدون انفتاح علي ثقافة الغير ومطالعة سير الرجال العظام والتغذي بخبراتهم والإعجاب بأعمالهم لنكمل مسرتهم.
لنتعلم من قول نابليون الرائع لمن يتلمس الأعذار:لا أعرف!-تعلم!صعب!-حاول! لا أقدر!-إبدا! مستحيل! هذه الكلمة لا توجد إلا في قاموس الفاشلين!.
إيها الشاب أنت بطل,والبطولة لاتقاس بعدد السنين ولانعني بها القدرة علي الاعتداء علي الآخرين وهزيمتهم ءو في عضلاتك الفاتنة أو سلب حقوق الضعفاء ومالهم إنما البطولة الحقة,هي في مواجهة أسباب الضعف فيك والتخلص منها واكتساب فضائل جديدة تخدم بها الآخريم.
فالبطولة الحقيقية هي أن تتخلي عن عادات سيئة فيك مثل: الكذاب والغش والنفاق والحقد…ثم تتحلي بعادات جديدة حميدة كالصدق والأمانة والإخلاص واحترام الغير والتفاني في العمل,لأم البطل الحقيقي بفضائله وحكمته وطموحه.وأعظم مظاهر البطولة هي قوة الإرادة والسيطرة علي الأهواء والشهوات.
ويقول الشاعر:إن الشبيبة نار إن أردت بها…أمرا فبادره إن الدهر مطفيها فبالرغم من حيوية وثرورة وقوة الشباب لكنه سريع العطف لذا يجب الاستفادة من مواهبة وإمكانياته وتنميتها.
يقرأ علي إحدي الجدران القديمة بإنجلترا:أنت لست شابا:إن كنت تفكر في الماضي أكثر مما في المستقبل ولاتبالي بكل ماهو جديد! إن كنت تتمني الكثير,ولا تجرؤ أن تباشر شيئا وتعلق علي المال أهمية أعظم مما علي الأهداف السامية! إن كنت تشك في إخلاص الغير وتلجأ إلي الشكوي والتذمر بدلا من التضحية! إن كنت تفتح قلبك للحسد والغيرة بدلا من أن تبدي أعجابك…إذا يحتاج الشباب في يومنا هذا إلي قوة الإرادة أكثر من أي شئ أخر.لأن الحرية والاستقلال في سن مبكرة لاتصنع الرجولة,بل تقتلها فالطفل كالنبتة التي تربط إلي وتد وإذا كان هذا الرباط يزعجها ويضايقها لكنه يساعدها علي النمو مستقيمة لتصبح شجرة وهكذا يتم مع الشباب حتي يصلوا إلي مرحلة النضج الحقيقية والتمييز في اختياراتهم وأعمالهم لأن العمل الطيب كالشجرة عميقة الجذور كثيرة الفروع.
ونختم بهذه الكلمات المجدية:إغرس اليوم شجرة,تنم في ظلها غدا.