تعب المحبة يقصد به، اننى احبك ومن أجل ذلك يمكن ان اقدم لك اى خدمة، حتى ولو كانت متعبة لى صحيا، أو تأخذ من وقتى المخصص للراحة قسطا، أو تأخذ من مالى وميزانيتى قدرا كل هذا يهون لانى احبك.
الحب فى واقعه وحقيقته عطاء، عطاء بلا حدود، عطاء يشعر صاحبه المحب بنفس اللذة التى يشعر بها عند الاخذ، فالاخذ والعطاء لذة يشعر بها المحب، وربما يشعر بالعطاء اكثر من الاخذ، ومن هنا يقول المفكر الكبير: برنارد شو: Show1856-1950م:
ان الانسان الفاضل هو الذى يعطى مجتمعه اكثر مما يأخذ منه.
وهذه ليست مثالية اكثر من اللازم، لكنها موجودة فى مجتمعنا وفى كل المجتمعات الانسانية فى كل بلاد العالم، ففى عائلتك تجد شخص ما، رجل او سيدة، يتفرغ تماما لعمل الخير، وخدمة افراد العائلة دون انتظار لأى شئ، خدمة مجانية، وتجد هذه الشخصية التى تجرى وتهرول من اجل خدمتك تفعل معك ومع غيرك ذلك، وتجد حياتها مكرسة وهادفة لخدمة الاخرين، بل ويمكن ان تساهم بمالها فى هذه الخدمات دون انتظار لرد هذا المال، ثم تجد هذه الشخصية ايضا لا تأخذ دورها الانسانى الطبيعى من اجل عمل خدماتها هذه، فهى لا تتزوج مثلا ولا تهتم بأن يكون لها ابناء، وتعتبر كل اطفال العائلة ابناء لها، وتشترى لهم الهدايا والشيكولاتة، وتسهر معهم الليالى فى المذاكرة، او عند المرض، كل هذا حبا عظيما تشعر به ولذة كبرى فى العطاء لا تساويها لذة اخرى، والذى تفعله مع الاطفال تفعله مع الكبار والمسنين والمحتاجين.. انه تعب المحبة.
ابحث فى عائلتك ستجد هذه الشخصية المحبة المضحية بكل شئ لخدمتك وخدمة الاخرين، حقيقة ان هؤلاء الاشخاص قليل فى الحياة، لكنهم موجودون يعرفون معنى الحب الانسانى الحقيقى، وتعب المحبة التى يهون اى شئ فى سبيلها، اذا لم تجدها فى عائلتك ستجدها فى عائلات اخرى، وفى كل المجتمعات، ثم لماذا نذهب بعيدا ونحن نتحدث عن تعب المحبة وامامنا مثل واضح رائع، جنود الجيش والشرطة ماذا يفعلون؟الا يضحون بحياتهم وبكل غال ورخيص فداء اوطانهم؟ هذا ليس مجرد تعب المحبة، بل قمة المحبة ان يضحى احد بحياته فداء عنى وعن الوطن، انه قمة تعب المحبة والفناء فداء المحبوب، انها الانسانية الرائعة، والحب العظيم.
الامثلة كثيرة للذين يشعرون بالحب العظيم، ويعيشون من اجل خدمة الاخرين مهما تعبوا وضحوا من اجل ذلك.
الراهبات والرهبان الذين يملأون الدنيا وتجدهم يخدمون فى المدارس والجامعات والاديرة والمستشفيات والملاجئ وفى المجتمعات الفقيرة وبيوت المسنين، بالاضافة إلى حياة الصلاة التى نذروا انفسهم لها ليل نهار، ورفضهم الزواج من اجل العبادة وخدمة الانسانية. اليس هؤلاء شعروا وتذوقوا حلاوة خدمة الانسان دون مقابل وبسبب حبهم العظيم للحياة والانسانية وضرورة استمرارها فى سلام وامان وخير وايمان.؟.
الحب العظيم لا يتوقف على حب الانسان وحسب، بل هناك من يحب الحيوان ايضا ويعطف عليه ويطعمه ويعالجه ويربيه فى بيته، من اجل ذلك نشأت جمعيات الرفق بالحيوان فى كل بلاد العالم، وانت تجد فى كل الشوراع إمرأة أو رجلا يحمل طعاما ويذهب حيث تجمعات القطط والكلاب ليضع لهم الطعام، بل ويقف يطعمهم بنفسه، انه الحب العظيم للحياة والانسان والحيوان.. الا يذكرنا ذلك بالحديث الشريف الذى يقول:
دخلت امراة النار فى هرة قتلتها فلم تطعمها ولم تدعها تاكل من حشاش الارض..؟.
وهل ننسى ونحن نتحدث عن تعب المحبة والحب العظيم الطبيب الانسان الالمانى الاصل البرت شفايتزر1875- 1965 م الذى ترك بلاده اوروبا وعاش فى افريقيا اربعين عاما يعالج ابناء لقارة السوداء من امراضهم المختلفة مضحيا بالغال والرخيص واهبا نفسه من اجل المرض والمقعدين.
يقول البرت شفايتزر Schweitzer فى كتابه: فلسفة الحضارة:
ان الحب وارادة الحياة هو اساس قيام الحضارة، ان العالم للاسف يغرق مثل قارب صغير فى نهر كبير، ولا يمكن ان يعيش الانسان من اجل تحطيم الانسان.. فالحياة حلوة مقدسة ولا بد للانسان ان يحياها ويحافظ عليها من خلال احترامه ومحافظته على حياة الاخرين، سواء كانوا بشرا ام نباتا ام حيوانا.. لابد للانسان ان يحترم كل المخلوقات الموجودة فى العالم.. لان فى هذا الاحترام احترام لنفسه ووجوده..).
عباقرة الزمان فى العالم كله، قديما وحديثا، هم اكبر نموذج لتعب المحبة والعطاء بلا حدود، فقد قدموا عصارة عبقريتهم واكتشافتهم وابحاثهم وتجاربهم من اجل الانسانية كلها بلا تفرقة او تمييز، وما الانجازات العلمية والاكتشافات التكنولوجية التى تتمتع بها القرن الحادى والعشرون الذى نعيشه الا نتيجة عملهم وسهرهم وتضحياتهم الكثيرة، بل ومعاناتهم وحرمان انفسهم من الكثير من اجل هذه النظريات التى توصلوا اليها والاكتشافات والصناعات التى قدمتها اياديهم البيضاء للانسانية. ونحن عندمانتمتع بكل هذا التقدم لا نفكر فيمن تعب وسهر من اجل ان يقدمه لنا. فمثلا عندما يدير احدنا مفتاح الكهرباء ليضئ بالنور لا يفكر فى التعب والمعاناه التى تكبدها العالم توماس اديسون Thomas A.Edison 1847- 1931 م ليصنع هذا المفتاح والجهد والمبالغ الكبيرة الباهظة ثمنا للفتائل والاسلاك اللاتينية التى تتوهج ولا تشتغل عند مرور التيار الكهربى فيها فتضئ، وقد استهلك فى هذه التجارب الاف المواد حتى توصل إلى المصباح الذى نستخدمه اليوم بمنتهى البساطة.
المخترع الامريكى اديسون هذا قدم للانسانية اكثر من الف اختراع منها اختراع الفونوغراف لتسجيل الصوت، وكاميرات السينما والميكروفونات والبطاريات وغيرها.. كلنا نلمس مفتاح المذياع او الراديو لنسمع اخبار العالم ساعة حدوثها، ونستمع ايضا الى برامج و تمثيليات واغنيات وغير ذلك، لكننا لا نعرف ان وراء هذا الاكتشاف المهم العالم الايطالى جوجليلمو ماركونى Guglielmo Marconi الذى عاش بين السنوات 1875- 1937م والذى استفاد باكتشاف زميله (هيرتز) الموجات اللاسلكية 1888 م وفكر كيف يستفيد بها عمليا فاجرى تجارب عديدة فى ايطاليا ثم فى لندن،ونجح عام 1899 باقامة اول عرض للبث اللاسلكى بين بريطانيا وفرنسا وقضى بقية حياته مهتما بتطوير تكنولوجيا الراديو، وحقق تقدما ملحوظا فى تكنولوجيا الموجات القصيرة مكنته من اقامة شبكة عالمية للاذاعة فى عام 1927م.
وانت تستمع الى الرديو وتتمتع بكل ما يقدمه لك.. هل تذكر.. ماركونى؟ لا اعتقد!..
من منا لا يركب الطائرات فى حياتنا المعاصرة؟ وقد كان ذلك حلما ان يطير الانسان لكنه اصبح واقعا عاديا يوميا، بل ان حوادث الطائرات اقل بكثير من حوادث السيارات والقطارات وسفن البحار، وهل نذكر العبقريين الاخوين رايت؟The Wright Brothers الذين اهتما بصناعة الدراجات وبيعها فى البداية، لكن هواية معرفة الطيران تملكت منهما فدرسا الطيران تملكات منهما فدرسا الطيران، وراقبا الطيور لمحاكاة ما تفعله، وفى عام 1900 صنعا اول طائرة يركبها قائد، لكن النجاح الحقيقى كان فى 17 ديسمبر 1903 عندما تمكن او رقل وهو احد الشققين ان يكون اول من يطير فى الهواء بطائرة ذات محرك لمسافة قدرها 120 قدما لقد حقق الاخوان ولبررايت واورفل رايت حلم الانسان فى الطيران ومنافسة الطيور، وهو منتهى الحب.
النماذج كثيرة للعباقرة الذين عرفوا تعب المحبة من اجل صحة وسعادة الانسان فهذا الكسندر فلمنج Alexander Fleming 1881-1955 صاحب الفضل فى اكتشاف دواء البنسلين الذى انقذ حياة ملايين البشر ويعالج امراض الزهرى والسيلان والدفتريا والحمى القرمزية والالتهاب الرئوى والتهاب المفاصل والسل وتسمم الدم.. اكتشف الطبيب وليم هارفى WilliamHarvey 1578- 1657 الدورة الدموية داخل جسم الانسان واصبح فى الامكان علاج امراض القلب..
فى عام 1448 م انشأ جوتنبرج Gvtenberg1400- 1468م اول مطبعة باموال اقتراضها من احد اقربائه مما اتاح الفرصة لنشر المعرفة والثقافة على عدد كبير من الناس..
فى عام 1923م استطاع العالم الكندى فريدريك بانتج1891-1941م اجراء تجارب كثيرة على مرض السكر، وتوصل مع زملائه الى صناعة علاج الانسولين الذى استخلص فى بادئ الامر من بنكرياس الخنازير، وكان مرض السكر مرضا قاتلا، رحل بانتجBanting فى حادث تحطم طائرة وهو يجرى ابحاثه عن الغازات السامة وينتقل بين كندا وانجلترا لخدمة البشرية.
هل يمكن ان ننسى العالمة الفرنسية، البولندية الاصل: مارى كورى MaryCurie 1867-1934م،وزوجها الذى ساعدها كثيرا فى ابحاثها بيير كورى 1859- 1906م، انها سيدة فقيرة احبت العلم وارادت ان تفيد الانسان فى كل مكان، فعملت خادمة ومدرسة، وعانت من الفقر والجوع والبرد حتى استطاعت ان تسافر الى باريس وتدرس فى السوربون، ثم تكتشف عنصرين لهما نشاط اشعاعى قوى هما عنصرا الراديوم، والبولونيوم. واكتشفت كيفية علاج مرض السرطان بالراديوم. وماتت مارى بمرض اللوكيميا وهو سرطان الدم من كثرة ما تعرضت له من اشعاعات اثناء ابحاثها، كما يقول اكرم عبد الوهاب فى كتابه: مائة عالم غيروا وجه العالم.. وكاتب هذه السطور فى كتابه: عظماء قهروا اليأس..
نرى كم كانت هذه العالمة الفاضلة محبة لكل البشر حتى اكتشفت دواء لمرض خطير يقتلهم بل وماتت بسبب هذا الدواء فكانت شهيدة العشق الانسانى.
هؤلاء العباقرة الذين ذكرتهم، وهم قليل من كثير، احبوا الانسان وعملوا وتعبوا وسخروا عبقرياتهم لمصلحة وصحة وسعادة الانسان فى كل مكان. انه تعب المحبة. والحب العظيم الذى يقول العالم البرت اينشتاين1879- 1955م Albert Einstein عالم النسبية الذى اكتشف نظرتى النسبية التى ساهمت فى التقدم التكنولوجى للعالم وارتقت بالحياة، يقول هذا العالم الجليل:
من الواضح اننا وجدنا ونعيش من اجل رفاقنا من بنى البشر، ونحن نعيش اولا من اجل اولئك الذين تتوقف سعادتهم كلها على ابتسامتهم ورفاهيتهم، وبعذ ذلك من اجل كل اولئك الذين لا نعرفهم معرفة شخصية ولكننا نرتبط بمقدراتهم برباط العطف والمشاركة الوجدنية)..
يقول هنرى توماس ودانلى توماس فى كتابهما:
( قادة العلوم وتراجم حياتهم) الذى ترجمة الى العربية سعد زغلول محمد، يقول الؤلفان ان الناس كانت تخجل من تفكيرهم الاقليمى المتعصب التافه امام عالمية تفكير اينشتاين وتسامحه وحبه للانسانية، وقد فكر وبحث مع صديقه الفيلسوف هنرى برجسون بناء: (جمهورية الذوق واللياقة الجديدة) التى كان الرجال ذوو النوايا الطيبة ميالين الى اقامتها فى العالم كله.