قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (611)
نتحدث هذه الأيام كثيرا عن البرلمان وعن الأجندة التشريعية المطروحة في دور الانعقاد الثاني الذي استهل أعماله في 24 أكتوبر الماضي. ونرقب بكل اهتمام ما يخرج من تحت القبة من تصريحات -بعضها إيجابي والبعض الآخر سلبي- حول ما يدور في المطبخ التشريعي داخل اللجان, ومنه ما أعلن عن الموافقة مبدئيا علي قانون المواطنة وعدم التمييز داخل اللجنة المشتركة من لجنتي التشريعية وحقوق الإنسان, ومنه ما أعلن عن رفض اللجنة التشريعية اقتراحا بإلغاء عقوبة إزدراء الأديان المنصوص عليها في الفقرة و من المادة رقم (98) من قانون العقوبات.. وتفاصيل الملابسات والمناقشات المتعلقة بكل من القانون والاقتراح منشورة داخل هذا العدد وتوضح كيف تسير الآراء والرؤي في المطبخ التشريعي.
أما ما توقفت عنده وتشبثت به لأعيد فتح ملف عاهدت نفسي ألا أغلقه فهو ما عرضته الزميلة نادية برسوم في عمود نبضات الذي تكتبه والمنشور في هذا العدد تحت باب الأسرة والمجتمع.. إنها تتناول قضية ميراث المرأة حيث تبعث برسالة عتاب للدكتورة آمنة نصير أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر وعضوة مجلس النواب لموقفها من القانون المقترح في المجلس بشأن تجريم اغتصاب ميراث المرأة حيث صرحت بالآتي: … إن إقرار قانون جديد للمرأة يحوي عقوبات لكل من لا يورث المرأة في مصر لن يضيف شيئا.. فالمرأة في الصعيد مثلا لا تجرؤ علي مقاضاة إخوتها أو أعمامها عند حرمانها من الميراث, فكثير من العائلات يعتبرون ذلك عملا مشينا منها…, وأحيل القارئ لما كتبته نادية برسوم في هذا الخصوص لأعيد فتح ملف مساواة المرأة بالرجل في قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين, هذا الملف الذي عاهدت نفسي ألا أغلقه أو أتركه أو أهمله.
وأقول: إذا كان ما نراه من مزاج عام لا ينبئ بتوفر الإرادة السياسية ولا المجتمعية ولا التشريعية لكفالة حق المرأة المصرية في الميراث وتجريم من تسول له نفسه اغتصاب ذلك الحق -ناهيك عن مساواتها بالرجل في نصيبها من الميراث- فعل الأقل ما لا يدرك كله لا يترك كله وأمامنا فرصة تاريخية لا يجب إهدارها نحن المسيحيين في حقنا الدستوري في تشريع شرائعنا الخاصة فيما يتصل بأحوالنا الشخصية, وترسيخ مساواة المرأة بالرجل في نصيبها من الميراث اتساقا مع الشرع المسيحي واستعادة لما كان معمولا به في أزمنة سابقة, علاوة علي ما سبق أن كتبته في اتخاذ مبادرة حضارية تعطي النموذج والمثل ليوم تحذو فيه مصر حذو الأقباط وتطبقه علي المرأة المصرية إطلاقا.
أعرف أن الكنيسة القبطية تكاد تكون أغلقت ملف قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين وأرسلته للحكومة لتتقدم به للبرلمان لإقراره, وأعرف للأسف أن القانون لا يتضمن الشق الخاص بالمواريث وبالتالي تبقي المواريث للمسيحيين خاضعة للتشريع المعمول به ومصدره الشرع الإسلامي حيث للرجل ضعف نصيب المرأة وحيث يتبدد الميراث خارج نطاق الأسرة إذا لم يكن هناك ذكور ضمن أبناء المتوفي, ولا يتسع هذا المكان لسرد حشد المشاكل والعذابات والمهانة والمرارة المترتبين علي تطبيق ذلك الشرع علي المرأة المسيحية بينما هي تعرف أن هناك شرعا مسيحيا يمكنه فك أسرها ورد اعتبارها وكفالة العدالة والمساواة لها في هذا الإطار.
لذلك أعود وأطلق الدعوة أن الفرصة لا تزال سانحة لإلحاق بند المواريث بمشروع قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين, قبل أن تقدمه الحكومة للبرلمان, وسيكون ذلك لو تحقق مصدر فخر للكنيسة القبطية وللرجل المسيحي وللمرأة المسيحية علي السواء, وسوف تذكر مصر كلها ذلك يوم تحذو حذوه بالنسبة للمرأة المصرية.
هذا عن مساواة المرأة بالرجل في أنصبة المواريث.. أما ما يتصل بالشق الأكثر إيلاما من رفض تجريم اغتصاب الرجل لحق المرأة في الميراث بالكامل, فذلك ملف مخجل مشين مسكوت عنه وينبغي فتحه وفضحه لأنه يفيض بحالات مؤسفة وممارسات كريهة أبطالها رجال ضلوا طريقهم إلي الرجولة وارتضوا أن يستولوا علي كامل أنصبة أمهاتهم وشقيقاتهم وغيرهن ممن استحققن أنصبة في الميراث.. وبالفعل كما صرحت الدكتورة آمنة نصير استمرأ هؤلاء الرجال تلك الأفعال المجردة من الرجولة أو الشهامة لإدراكهم عجز الضحية عن اللجوء للقانون للمطالبة بحقها في مجتمع لا يقول للجاني لا تضرب بينما يقول للضحية لا تبكي!!! وسأعود لأفتح هذا الملف المشين الذي يبقي وصمة عار في جبين الرجولة حتي لو تم ترسيخ مساواة المرأة بالرجل في تشريعات المواريث.