الصلاة غذاء الإيمان، والإيمان التصاق شخصي ولقاء ودي بالله. إنها الوقوف أمام الله الكلي الكمال، بصدق وحقيقة وتواضع وانتماء وحرية وشفافية وبدون إزدواجية. من خلال الالتزام الحي في الحياة بواقعها المعاش رغم كل الظروف التي نمر بها: الاجتماعية والإقتصادية والسياسية.. يشحن المؤمن ذاته بالله ومحبته ليصبح الله هو الحيَ فيه.
لست أنا الحي بل المسيح حيٍَ فيَ :
يقول القديس بولس الرسول ” لستُ أنا الحي بل المسيح هو الحيَ فيً ” . هذا هو مفعول الصلاة: أن يمتلىء المؤمن بالله.
فقوَته يستمدَها من قوة الله الذي فيه. لذلك في الصلاة تبلغ قوة الحُبَ، الحُبَ الإلهي، درجة تُقاس على قدر وعي الصلاة في حضورها الكثيف. والصلاة بالمقابل تنهال من نبع الحبَ الإلهي السامي ليوجهَِها هذا الحب بنار الحرارة التي تنعكس على الالتزام الحياتي المعاش.
وبالتالي هناك بعدان للصلاة :
الصلاة المركَزة في الوقوف أمام الله ولقائه العميق، وتكريس الوقت والذَات له وإعطائه كل الكيان في التأمل والمناجاة وشعور عميق بمحبته وأبوته وصداقته وحضوره في كياني وحياتي، وأخذ القرار بالالتزام به ومعه.
هذا الوقت المكرَس لله هو وقت امتناع عن كل المشاغل الدنيويَة الأرضية الزائلة للمثول أمام الله في معبد الحبَ الحواري الدَاخلي. هو وقت الإنسحاب كل شيء وهم أرضي لشحن الكيان كلَه بالله.
هذه الصلاة المركَزة ، تنتشر في المرحلة الثانية على الحياة ليعيشها المؤمن في حياته التي تصبح كلَها صلاة من خلال المرجعية التي يتخذها المرء له، وهذه المرجعية هي المسيح. فيحيا المؤمن السؤال التالي:
لو كان المسيح اليوم مكاني ماذا كان يفكَر ؟
ماذا كان يقول ؟
ماذا كان يعمل ؟
هكذا يصبح المسيح مرجعيَة المسيحي في كل شيء. وهذه هي نتيجة الصلاة التي تصبح حياة. وبالمقابل، تصبح الحياة كلها صلاة من خلال العيش فيها بشكل مستديم مع المسيح المرجعيَة الوحيدة ورفيق الدرب، درب هذه الحياة في حبَ خالق عميق.
من يَحْيَى الصلاة بهذا الوعي وهذه الكثافة، يكون مؤمناً حقيقياً، أي منتمياً إلى المسيح في وعي حيَ وفي كل ما يحيا.
هذه هي ترجمة الإيمان في الحياة ونفح الحياة بالإيمان ليصبح الإيمان حياة والحياة إيماناً. هذا هو الالتصاق الحقيقي بالله، لأن الله حياة حبَ روحية يتغلغل في خلايا الإنسان حتى يحوَله في أعماق شخصية عميقة ويوقظه على خيار الخلاص والنور والصفاء.